مقاهي عدن القديمة : مراكز للتنوير والإبداع
عدن-عدن اوبزيرفر:
لم تكن المقاهي الشعبية بالعاصمة اليمنية المؤقتة عدن يوما مكانا لقتل الوقت أو قضاء لحظات ترفيه، لكنها مثلت مراكز للتنوير والإبداع.
قد تكون مقاهي اليوم فقدت وظيفتها السامية تلك، ولكنها في أزمنة عدن الجميلة التي عاشتها المدينة منذ عقود خلت، ارتبطت المقاهي بالسياسة والفكر والفن.
وخلال خمسينيات وستينيات القرن الماضي، عكست مقاهي عدن ما وصلت إليه المدينة من حراك سياسي وثقافي وفكري، ساهم في جعل عدن مركزا تنويريا حينذاك، وملاذا للتلاقح والتعايش.
وهكذا كانت المقاهي الشعبية، التي عبرت بشكل مصغر عما تمثله عدن وتحمله من رمزيات ودلالات، في زمنها الجميل ذاك.
وظيفة المقاهي
تنوعت الأهداف التي كانت تقدمها مقاهي عدن الشعبية، من خلال احتضانها لجميع أطياف المجتمع العدني، وتوفر لهم وجبات من التنوير، سياسيا وفكريا وفنيا.
وبحسب مؤرخين، فإن التنوع الذي قدمته مقاهي عدن لم يقتصر على ما كان يدور فيها من فعاليات ثقافية وغنائية، بل أيضا توزعت المقاهي على مناطق وضواحي عدن.
فكانت المقاهي الأشهر، هي مقهى “زكو” في ضاحية كريتر، مديرية صيرة حاليا، وغير بعيد عنه هناك مقهى “السكران”، بالإضافة إلى مقهى “الشجرة” الشهير، ومقهى “الزحف العربي”، وكلاهما في مديرية الشيخ عثمان بعدن.
كما يشير المؤرخون إلى أن كل تلك المقاهي المتزامنة في وجودها وشهرتها، بدأت بالظهور منذ العام 1910، وبلغت ذروتها منتصف القرن الماضي، وتنافست بينها في جذب المواطنين إليها.
غير أن هؤلاء المواطنين لم يكونوا مجرد زبائن يترددون على المقاهي من أجل المشروبات وغيره مما تقدمه من خدمات، بل إن الإقبال الأكبر كان على جرعات التنوير ووجبات التثقيف التي لا تنقطع، وفق مؤرخين.
فن وإبداع
فنانون ومغنون وسياسيون ومفكرون عدنيون، تحدثوا في مذكرات حياتهم أنهم مروا ذات يوم من المقاهي الشعبية، التي احتضنتهم في بدايات نشاطهم، لينطلقوا لاحقا ويصبحوا مؤثرين في الحياة العامة.
فشعراء من أمثال لطفي جعفر أمان، وفنانون من أمثال محمد مرشد ناجي، وأحمد بن أحمد قاسم، انبثقت إبداعاتهم الأولى من مقاهي عدن الشعبية، التي كانت بداية وصول إبداعاتهم الآفاق.
مثلت المقاهي ساحات يتبارى فيها الفنانون والمبدعون والشعراء، يحكم عليهم مرتادو المقاهي ويشجعونهم، ويسمعون ويستمتعون بما تجود به قريحة كل فنان.
الفكر السياسي
يؤكد العديد من المؤرخين أنه لا يمكن الحديث عن مقاهي عدن الشعبية دون التطرق للدور النضالي السياسي الذي لعبته في تنوير الشعب والمواطنين، وتكوين فكر سياسي لحث الناس على مقاومة الاحتلال البريطاني لمدينة عدن.
فكانت مقاه مثل “زكو” و”الزحف العربي” مراكز لتجمعات الاتحادات الطلابية والمنتديات الشبابية الفكرية، بالإضافة إلى النقابات العمالية، يثقفون أنفسهم فيها بمحاضرات ونقاشات سياسية لنخبة من المفكرين والقادة، كما يقول مؤرخون.
كما شكلت المقاهي منطلقا للتظاهرات والمسيرات التي كانت تنظم في مواجهة الاحتلال البريطاني، أو لتأييد سياسة القومية العربية، المزدهرة وقتذاك في منتصف خمسينيات القرن الماضي، وصولا إلى الاحتجاجات المطالبة بالاستقلال الوطني في الستينيات.
وما زال مقهى “الزحف العربي” حتى اليوم يحمل دلالات النضال السياسي الذي كان يعيشه طيلة تلك الفترة، ولا يحتاج الأمر سوى زيارة بسيطة للمقهى لمشاهدة صور القادة العرب، واللوحات العتيقة التي تعود إلى ما قبل 7 عقود.العين الاخبارية