حلول عادلة ومنصفة !!
سبتمبر 13, 2017
عدد المشاهدات 447
عدد التعليقات 0
محمد علي محسن
لا الجنوب سيعود جنوباً وفق خارطته السياسية التي كانت قائمة قبل العام 90م أو الشمال سيبقي كتلة جغرافية واحدة مثلما كان حاله الى عهد قريب ، ففي كلا الحالتين هنالك تبدل سياسي وتاريخي حدث خلال حقبة ربع قرن ونيف ،وينبغي التعاطي معه بشيء من الذكاء الذهني والبراغماتية السياسية ، بدلاً من انكاره بالقفز عليه او اغفاله ، وكأنه مجرد حالة عرضية أو ثانوية لا تستدعي القلق او الخوف .
فحال الكثير من الساسة الطارئين أو المعتقين المتخندقين بقوالب قديمة لا يبدو من افعالهم انهم فهموا واستوعبوا ان الافكار والشعارات يمكن ان تهرم وتشيخ وتموت مثل هو حال البشر .
والفطنة والحنكة هنا تقاس بمدى قدرة الساسة على جعل الفكرة نابضة بالحيوية والاستدامة ، كما وتمايز السياسي عن العسكري ، بكون الأول ذو ذهنية استثنائية لا تعرف الاحباط او السأم وفي اصعب الظروف، بينما الاخر وبحكم وظيفته لا يفهم او يتفاهم بغير لغة القوة والجبروت وبقصد اخضاع الخصم واذلاله .
حيوية الفكرة تتجسد بمضمونها العادل القابل بالاستدامة والتطوير ، فمثلما قيل بان الفكرة الممتازة ليس لها ماض وانما مستقبل واعد ينتظرها ، وعلى هذا الأساس ينبغي ان تكون افكارنا خلاقة قابلة للحياة والاستدامة .
فبدلاً من ارهاق انفسنا برؤى وافكار ماضوية تقليدية اثبتت التجربة القصيرة انها لا تؤسس لوطن حر ومستقر ومتسامح ؛ علينا التعاطي وبموضوعية مع الحلول العادلة المرضية لكل الاطراف المجتمعية .
وأظن ان مقررات مؤتمر الحوار الوطني وان لم نشارك فيه ، ما يستوجب النضال والاصطفاف لأجل تحقيقها باعتبارها اهم مضامين تؤسس لدولة اتحادية مدنية حديثة .
البعض سيكابر ويعاند معتقداً ان استعادة الدولة الجنوبية الى حدودها السابقة ، التي هي في النهاية صنيعة الانكليز والاتراك ، سيكون حلاً مثالياً للجنوبيين المحبطين القانطين من امكانية اقامة الدولة ومؤسساتها المدنية الحديثة وفي مساحة استعصت تاريخاً على التطويع .
ومع احترامي لهذه الافكار واصحابها ، اجدني اختلف معهم جملة وتفصيلاً ، فالعبرة في النهاية تتجسد في النتائج وبما تحققه من مصالح ومنافع على المجتمع ، فاذا كان التوحد السياسي خطأ سياسيا وتاريخيا لا يغتفر بسبب تجاهله لطبيعة المصالح المجتمعية وتركيزه على تقاسم السلطات بين الطرفين الحاكمين ؛ فان التجزئة واذا ما اغفلت المصالح المجتمعية المستقبلية ستكون أشر واخطر .
والأكثر خطورة في المسألة هو في محاولات اعتساف التاريخ والجغرافيا وبطريقة غبية ممزقة لما تبقي من نسيج مجتمعي قابل للحياة واعادة الروح اليه مستقبلاً .فالحال ان التوحد وفشله او نجاحه هو وفي كافة الاحوال قضية سياسية ويجب معالجتها بأدوات ووسائل ورؤى سياسية .
ومن يعتقد ان حلها سيكون ممكنا ومن خلال التشبث بالجغرافيا ونفي التاريخ ، أظنه أساء التقدير ، فمثل هاتين الفكرتين لن تقيم ووطنا موحداً او تبني مجتمعاً متجانساً أو تؤسس لمنافع مستديمة ، فعلى العكس ، اذ ستكون خطأ فادحا وقاتلاً لفكرة الدولة المنشودة التي هي في المبتدأ والمنتهى فكرة سياسية غايتها حماية المجتمع ومصالحه وحرياته واستقراره ،وغيرها من واجبات الدولة والتزاماتها القانونية والاخلاقية .
لطالما قلت بان الخيارات الكبرى لا يصنعها غير الكبار ، فمن سوء حظ اليمنيين انهم سلموا مصير بلادهم لمن هم ادنى واقل من ان يصنعوا نهضة او يحدثوا تغييراً ايجابياً ، فما حصل للتوحد السياسي يمكن حدوثه في أي تجزئة سياسية ، وكلاهما التوحد والتجزئة صارا في ذمة التاريخ ، ما يستدعي من العقلاء مغادرة الأثنين معاً ، والبحث عن بدائل سياسية تكون عادلة ومنصفة للجميع .
وهذه البدائل متاحة وممكنة التحقيق ، فربما قد تطول الحرب اكثر ، ما يحول دون الشروع في الدولة الاتحادية وفي تنفيذ مضامين العدالة الانتقالية ؛ لكنها ومن جهة اعدها مقررات واعدة ،وافضل بكثير من كل الافكار والرؤى المطروحة الآن جنوباً أو شمالاً .
فيكفي القول هنا ان قوى الانقلاب اذا ما خيرت ما بين التجزئة وبين الدولة الاتحادية ، فإنها لن تتردد في الانحياز لخيار التجزئة ، وان ادعت بحرصها على الوحدة ،ففي المحصلة علينا ان ننحاز للخيارات الصائبة المحققة لمصلحة الناس عموماً .
وهذه المصلحة الجمعية تمنعنا على الأقل من التعاطي مع أي افكار تتصادم معها او تنتقص منها ، لأننا في هذه الحالة نقدم خدمة مجانية للقوى التقليدية القبلية والعسكرية التي لطالما وقفت مقوضة لفكرة الدولة اليمنية الحديثة .