ادب وثقافة

حلم بلا شراع

يناير 05, 2018
عدد المشاهدات 2696
عدد التعليقات 0
حلم بلا شراع
إنه فصل الربيع وامتحاناتشهادة البكالوريا على الأبواب، وحلم دخول إلى كلية الهندسة الزراعية بين قوسين وأدنىفلا بد من التركيز والجهد المضاعف للوصول إلى المبتغى، لا تضيع وقتها أبداً، فقد أصبحتمساحة غرفتها مع الشرفة ساحة للقراءة والتركيز ذهاباً وإياباً ودندنات تحاكي عنان السماءحول مستقبلها.
تحتسي القهوة مع كوبالماء أحياناً لطرد النعاس وتنشيط الذاكرة وشعرها مشدود برباط وكأنها تتهيأ لصد هجومما، وأحياناً تلعب بخصلات شعرها المفرود وكأنها استيقظت توا من النوم، وغالباً تغفىوالكتاب في حضنها.
قضت السنوات الأولىمن طفولتها في الريف، قبل أن ينتقل أهلها إلى المدينة، بعد ما توظف والدها في إحدىالدوائر الحكومية، ولا تزال تزور بيت جدها في القرية كلما سنحت لها الفرصة، وتشاركهمالعمل في الحقل الزيتون فهي تعشق الطبيعة بما فيها وتندلق بحيوية ونشاط، بفرح بين النبعوالأشجار كَفراشة مبتهجة بقدوم موسم الربيع والأزهار. وفي نفسها الطفولي أن تصبح مهندسة،لتخفف عبء وتعب الذي يتلقاه أهلها في الحقل.
هي لم تحقق حلمهافقط بدخولها إلى كلية الزراعة التي طالما راودها، بل تلتقي فيما بعد بفارس أحلامها(زميل لها في الجامعة) وتتكلل علاقتهما بالزواج بعد التخرج.
بعد الزواج وفي أقلمن الشهر، سيدخل البلد في الاضطرابات لم يشهد له مثيل، وستملأ الشوارع بالمتظاهرينوستتطور الأمور بشكل الدراماتيكي وتوصل إلى مرحلة حرب مدمرة وثم فصول الإرهاب، بعدماكانت سلمية!
سيضطران مثل المئاتالألوف من مواطنيهم الهاربين من القتل والدمار، الباحثين عن الأمان إلى اجتياز الحدودوالأسلاك الشائكة ويصلان إلى إحدى شواطئ قبالة القارة العجوزة على أمل الوصول إلى مكانخال من العنف والدماء.
وهناك يختاران أحدالطرق غير الشرعية والأكثر خطورة لأن الطرق الأخرى مكلفة جداً وما في جيوبهم لا يفيبالغرض، فكل ما يملكان هو ثمن المجوهرات التي بيعت، وما جمع لهم أهلهما، وبعد بحث عنشخص آمن (المهرب)عبر أحد المعارف، يتفقان معه في تحديد موعد انطلاق الرحلة الغامضةعلى متن القارب المطاطي قبل طلوع الشمس.
وعندما حان الموعد،أتت الناس من أجناس مختلفة، وأصبحوا مجموعة مؤلفة بأكثر من ثلاثون شخصاً (الأطفال والشبابوالنساء)، وبدأ بعض يزمجر غضباً وإما الآخرون فإن العلامات من الخوف والحيرة باديةعلى وجوههم والبؤس والهوان يدثر أرواحهم وأعماقهم.
لكن المهرب يطمئنهم:ننقل (الأنفار) اللاجئين على متن هكذا قارب كل أسبوع وأحياناً كل يومين، فهو أفضل منالقارب الخشبي، وليست هناك أخطار كبيرة، ورحلة لن تستغرق وقتاً طويلاً، وقائد القاربمنكم، وإما إذا باغتكم خفر السواحل، ووقعتم في شباكه، فسيعيدكم إلى حيث أتيتم.
لا مفر أمام هذا الجمع،فقد اتخذوا قراراهم حتى لو كانت حياتهم هي الثمن، لأنهم يائسون، بائسون. يتضرعون إلىالله، ويأملون أن يحالفهم الحظ، كما حالف بعض من سبقهم على مثل هذه القوارب.
تهمس الفتاة لزوجها:القارب أصبح ممتلئاً، إنه أشبه بعلبة السردين مكدسة، مضغوطة، كيف يمكن لهذا القاربالمطاطي الصغير أن يوصلنا إلى مكان أكثر أمناً!؟
بعد مضيء نحو ساعتينفي وسط البحر، قلبت الرياح والأمطار القارب على عقبه.
تصحى دلال، تجد أمامهاامرأة بقميص أبيض طويل: أين أنا ….
أين ديار …. ؟
فتردد مرة أخرى بالإنكليزية……؟
المرأة: أنا ممرضةفي المشفى بمدينة إزمير التركية، وقد أنقذ خفر السواحل بعض منكم أثناء غرق القارب الذيكان يقلكم
تصرخ دلال: وأين ديار……؟
دموع دلال لا تتوقف،الوحدة والحيرة تلاحقها في مدينة جميلة كإزمير.
رغم كرهها للبحاروالقوارب بعد تلك الحادثة فهي تزور البحر كل اليوم، حيث مكان إقلاع رحلتهم المشؤومة،لعل وعسى تلتقي بـ ديار من جديد!
بقلم: خالد ديريك

مواضيع مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى