ادب وثقافة

محرابي الأخير

يناير 17, 2018
عدد المشاهدات 2686
عدد التعليقات 0
محرابي الأخير
إيناسثابت
 

 
رسالة الأماني والأمل التي توقعتهاوصلتني هذا الصباح. حطَّت برفق فراشة علي يدي، مع إطلالة شمس تنير الأرض وتنعش قلبيمن جديد. كل رسائلك لطالما انتظرتها بنهم الأطفال الرضع إلى أثدء الأمهات؛ ومالمسته أناملي لم يكن ورقة انتظرتها بصبر يلامس الاحتراق، ولا قلما خطَّ حروفها المكتوبةوحركاتها المسكونة في عمق الكلمات، بل تخفق حناياها بآلاف المعاني وتنطوي صفحتهاعلى فسيفساء من الزمن القديم وآلهة الإغريق، محفورة في صفاء قلبك على امتداد الزمن،وأنفاسك الحرى تشعل خيالي نارا لا تنطفىء أو تتحول إلى رماد، وعطر عرقك ينسابكالمخدر إلى روحي وجسمي أطيب من عطر الياسمين.. فليس غيري في النساء من يغريها وتعشقعرق حبيبها حتى ثمالة الأشياء..!؟
 
 ها أنا أراك من آلآف الفراسخ تخط رسالتك بأناملكالرقيقة وتطويها، فينطوي قلبي على الآهة الحرى ويذبل في غيابك، فأغدو كآخر منازلالقمر لا يكتمل إلا بعودتك بدرا من وراء الجبال، حينما ينساب اسمي كساقية جذلى منشفتيك الشهيتين القرمزيتين، الآتيتين في صباحات باردة  تحملها ريح الشمال. شفتاك أشهى من طعم العنب بنكهة البخور أو عسل النحل يجنيه منالزعتر وزهر البرتقال.
 
حينما فتحت رسالتك هالني عذاب روحأضناها البعاد، وجرفني نهر دافق لم تروِ مياهه الغزيرة قلبي المشتاق. غير أننيرأيت نقطة في متن الرسالة، كأنها دمعة تختصر معاني اللهفة والحنين، ونبض قلم يحكيبالفواصل والسكون أحلى تباريح الهيام.
 
 النقطة وخزة حب أضناه ليل الصحراء، ولم يدركسرها الشوك.. ولا البلسم  يعرف حقيقةالأشياء، لتلهج النفس بآلام عشق لا يهدأ ولا يستكين، وآخر تنهيدة واستغاثة حنينسمعتها ورأسي على صدرك وبين خافقيك. تلك لحظة نادرة في الزمن حيث يضيع فيها الفكر،ولا يرى سوى وجه غاب في عتم الليالي، وانتظار أطول مما يخطر في بال اللهفةوالحرمان.
 
طيف قبلة  كانت تلوح من البعيد يتعالى معها وجيب قلبي، وتتفاعلالروح مع الروح، وتحطَّ الشفاه على الشفاه ولا تنتهي القبلة إلا في الزمن السحيق، وغيابروحي عن كل الوجود. ونقطة الباء في مستهل الرسالة دائرة نور وحب وسكون، وضمة  تنتظر حضن عاشق ومعبود. كانت النقطة تسألني سرالمعاني  في خمر الوجود… ليبقى في سحرالكلام ما يستحيل على الإدراك وقدرة اللسان على البوح والتعبير.
 
يا سر قلبي بين القلوب يا ذلك الوجهبين ملايين الوجوه، حينما تعالت الأنفاس واتحد الجسد بالروح. إنه وجه الذي أحببت..والروح التي امتزجت بدمائي وخالطت لحمي وعروقي وعظامي، واستقرت في فضاءات نفس بلاحدود، تبعث خواطرها في فكري ويسلب طيفها الكرى من أجفان عيوني، فتبعدني عن نوم كنتأشتهيه، توقد نارها بين جوانحي والضلوع وتموج شمسها وتضطرم، فلا  أحصد إلا دخانا يتلاشى ويضمحل مع الريح، حيثترفرف أجنحة من النور في فضاء  رب العالمين
 
هل أناديه عيسى..؟ يا لنبوءة الرسلممن لا يموتون، يا لقدرة عيسى يحيي القلوب أول ما يحيي، أم أناديه وجه القمر وماخلق الله القدير؟ يبث أنواره على قلبي وشعاعه يبعث الأمل في نفسي بعد الموات، أمأناديه نعمة العطر خرجت من أطيب زهر في فردوس الجنان، أتنسم طيبه فينسكب عافية علىجسمي، وينفذ إلى أعماقي يبعثر لمسات أشواق طال انتظارها على الخصر والجيد ؟
 
أم أناديه آدم ولا أحسب الله خلقغيره من الرجال على الأرض، وأنبته وحده مخلوقا من الرقة والعطف من بين الضلوع ؟ أمأناديه الساحر لسطوته وقدرته عليّ، وبناء نواميس الحب في كياني كقدرة الإله علىالخلق،  وإبداع قوانينه في هذا الكونالعجيب؟ أم ألجأ إلى زنديه محرابي الأخير ؟ أم أناديه أنت..؟ يا أنت مالي سواك فيهذا الوجود.

مواضيع مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى