رحلةٌ في الزمنِ الضائع
سبتمبر 15, 2018
عدد المشاهدات 748
عدد التعليقات 0
رحلةٌ في الزمنِ الضائع
في نصّ ( سايكس – بيكو جديد .. وقصائد مومسة )
للشاعر : لخضر خلفاوي
بقلم : كريم عبدالله
14/9/2018 بغداد – العراق
إنّهُ الصوتُ القادم مِن أعماقِ الخذلان والتجزئة وويلاتالحروب والضياع والتطاحن الطائفي والمذهبي والرعب المسكون في أعماق ظلمة كثيفةوالخيبة الكبرى وفقدان الانتماء الى الاوطان , كلّ هذا جاء في قصيدة طويلة جداإعتمدت على قدر من الوضوح والبساطة والابتعاد عن الكلفة في اللغة كي تصل الى شريحةواسعة من الجماهير وكان هذا مقصودا مِن قِبل الشاعر . انّها رحلة في تجلّياتالواقع البائس والمضطرب والنفور من الهموم الذاتية والانغماس بين الجماهير وكشفمحنتها , انّها صرخة يوجّهها الشاعر الى الناس بصورة عامة ومخاطبة الضمير الأنسانيوإعلان الولاء للهموم العامة وإشهار الكلمة بوجه هذا الواقع البائس كسلاح يساهم فيتغييره و ومحاولة لترميم تصدّعاته والنظر الى ما وصل عليه الانسان العربي وسحقهتحت وطأة حاجاته .
وبعد …
ها هي الامة تعلن تمزّقها بعد مخاض طويل للتتفجّرأنهارها العربية بدماء الابناء والاشقاء وتنمو أشجار الصفصاف على جثث المغدورين ,هذا المخاض أعادها الى الوراء وزرع الفتنة والضغائن وأطفأ حتى قناديل لنهارها ,لتدخل في نفق مرعب حالك الظلام وبلا نهاية .
(( في بلادنا العربية..
كلنا مرضى بالزعامة..
كلنا من الرئيس إلى الخادم البسيط
كل الأشكال يحلمون أن يكونوا زعماءً..
كل من لم يَظْفرْ بنصيبه من غنائم الوطن المريض
يؤسس حزبا معارضا..
و لا يدخّر أيّ جهد في الاحتيال على عقول الساذجين
بسياسة البَعْطِ و ” التَّبْعِيطْ”.
في بلادي العربية ..
الزعامة هي عفيون يُسوَّق للأغبياءْ ..
الزعامة في كل شيء ..
كل مواطن يحلم بتأسيس حزبٍ للانتقام
ممن هُم في الطابور الأوّل للزعامة ..
و شعوبهم تُعامَل كَمَا تُعَامَل النُّفايات في مستودعات القمامة ..
الزعامة .. ورمٌ خطير مسّ أفراد مجتمعات العرب..
و لن يُشفى منه أحد الى أن تَقُوم القيامة !
لأنهم لم يفهموا تاريخ الامم الناجحة ..
قرأوا التاريخ بحروف مَقْلوبة ..
فأنشأوا دساتيرا متجانسة تشبهُ الى حد بعيد
كتاب ” طوق الحمامة”. )) ..
الكلّ اصبح في هذه الامة يبحث عن مصلحته الشخصية علىحساب المصلحة العامة , حب الأنا وإمتلاك السلطة وإقتسام ونهب خيرات البلاد وخداعالنفس بانّ الوطن لم يعطنا ايّ شيء فعلينا ان نأخذ حقوقنا بالقوة بعدما سمحتالحكومات الضعيفة لهؤلاء بالظهور على السطح وعدم وجود قانون صارم يحدّ منحيوانيتهم المتوحّشة وانشغال الرؤساء بتوزيع الكعكة فيما بينهم وترك البلاد تعيشفي حالة من الفوضى والفقر والمجاعة وأصدروا دساتيرا تتناسب مع طموحاتهم اللامحدودةوسخّروها لمنافعهم الشخصية .
(( في بلادي العربية..
يُكرّمُ اللُّصوص و تُسَوّدُ على الشعوب مرتزقة الزور و الكذبْ..
في بلادي العربية..
ضرب التّهميش الشعراء..
و طالهم حتى الجوع..
و موالون لأزلام الأنظمة يمارسون بنصوصهم
المحاباة و كلّ طقوس الرُّكوعْ..
في بلادي العربية..
نُمجِّدُ الرَّقص و الظلامية..
و نَمنعُ على الشمس حقّ الطُّلوعْ!
يا حُكّام بلادي العربية..
يا رموز الخُنوعْ..
لقد خُنتم أوطانكم ، قهرتمْ شعوبكم..
كفَرْتُم بأَنْعُمِ الله ، فأذاقكُمْ لباس المهانة بكُلِّ الطُّبوعْ ..)).
انّهالواقع المدلهم حيث لا عدالة في الوطن وحيث الازمات الخانقة وفترات الانكساروالخيبة والاوضاع النفسية المتردّية , انه الواقع المزدحم بالتزوير والتهميشوالجوع وقسوة السلطة وطغيانها انه زمن الخنوع والاستسلام وضياع الهوية الوطنية .
وتيجةلهذه السياسات الرعناء اصبح الانسان العربي غريبا في وطنه ومهاجرا يبحث عن الأمانفي بلاد بعيدة اخرى , اصبح يبحث عن أرض جديدة يزرع فيها جذوره المقطّعة بسيوفالتهجير القسري بعدما تخلّى مرغما عن كل شيء في وطنه الأم وإنسلخ من واقعه وثقافتهوترك أحلامه تتناهبها الحروب ويسرقها الغرباء ..
(( عشرون عاماً و أنا مُغَيّبٌ عنِ الوَطَنْ..
و بِمَنفايَ اعتزلتُ كل مظاهر الغَوغَاءْ
التي كانت تُمَارس علَى العلنْ ..
اعتزلتُ عبثيتَهُم التي كانت تُرهقُ الرُّوح و البدَنْ ..
غَيْبُوبَتي دَامَت لِسِنينْ ..
و ككلِّ مُبعَدٍ عُذّبتُ و اكتَوَيْتُ بالحَنِينْ..
عذّبني الزمنْ .)) .
ترك كل شيء خلفه بعدما حلّ الفساد والخراب في وطنه ,وعاش في المنفى يكتوي بنيرانها ويذوق عذاباتها ويعاني من القهر والحرمان , بعدماتفشّى وانتشر في جميع مفاصلها الجهل وعشعشت الخرافة في شوارعها ..
(( في بلادي العربية..
نحن أُمّةٌ تعيشُ علىَ البُؤْسِ و الاحباطْ ..
أمة مرآتا لشُعَرَائِها و أدَبَائِها..
نتحيّن الفرَجْ من كلِّ حدبٍ ، من كلِّ صُلبْ!
أمة مِنْ صَغِيرِهَا الى كَبِيرِهَا لا تتوقَّفُ في تَسوّلِ الفرَجْ..
نأملُ الفرجْ نِيَامًا و قُعُودًا ..
مِنْ طُلُوع الشَّمس الى المَغْرِبْ ..
نحن أمة مُدمنة على طلبِ الفَرَجْ..
لم يَعُد حراك العلم و النهضة الفكرية يُعنينا..
أعضاؤُنا التناسلية ارتَقَتْ الى مكان العُقُولْ..
و العُقُول تَمّ إزْلاقُها الى مَا تَحْت البُطُونْ ..
تَهَانِينَا .. تَهَانِينَا!..)) ..
دبّ التراخي والفشل والخنوع في هذه الارض ولم تتوكأ علىماضيها المشرق الزاهر . لم تنظر هذه الأمة الى تراثها واعتباره انجازات وقيماروحية وجمالية بالامكان استخدام قدرة هذا التراث في بناء حضارة جديدة تواكب ما وصلاليه العالم الان لاجل خدمة الحاضر والسباق مع الزمن , واستخدام الموروث القديم فيإضاءة الواقع الحالي والمشاركة في صنع الحضارة العالمية أسوة بباقي الأمم .
(( يا شعراء أمتي..
يا صفوة أمتي..
يا شعوب أمتي..
يا قادة أمتي ..
إني أموت ..
أوطانكم تُستباحْ .. )) ..
انّه النداء الى كل مثقفي هذه الامة واستنهاض بوادرالخير والنجاح والمحبة والسلام فيهم , انّه النداء اليهم بان يصلوا الى الجماهير (ابتدأ بالشعراء هنا ايمانا منه بما يمتلكه الشاعر الحقيقي من مقدرة وقوة تأثير فينفوس الجماهير كونه صاحب رسالة ) وان يشحنها ببذور الامل وان ينعشوا الوعي لديهاوان ينتقدوا هذا الواقع المرير وتعاسته للحصول على إشعال فتيل التغيير والانقلابوالانتصار على الذات المستكينة والمطمئنة بالخنوع وإعلان حالة الثورة ضد المتسلّطينعلى رقاب الجماهير والخونة الذين باعوا الاوطان للاجنبي مقابل جلوسهم على الكراسيوفوق رقاب ابناء الشعوب .
((ثمَّ رفعتُ يدي إلى السماء و كلّى إحباط و قُنوط
و قلتُ : إلهي !
يا ليتني لم أولدْ عربيا ..
يا ليتني كنتُ ترابا! )) ..
انّها الخيبة بعد ان فشلت دعوة الانسان في احداث التغيير, هكذا تنتهي هذه الملحمة الشعرية نهايةماساوية وتعلن عن هزيمة الانسان العربي أمام السلطة وهمجيتها وحبروتها في زمنالانفتاح على الحضارات والعالم , هزيمة الانسان العربي أمام قوة لا قِبل لهبمواجهتها لأمتلاكها كل وسائل القوة والقهر والتعذيب . حاول الشاعر لخضر خلفاوي أنيكون قريبا جدا من اخيه الانسان في هذه الأمة من خلال صوته بعدما بعث خيبته هذهالى معظم اتحادات العرب والامين العام السابق للجامعة العربية كموقف وعرض أدبيلراهن السياسة والابداع العربي .
*سايكس – بيكو جديد.. وقصائدمومسة ): نص يرتكز عليه ديوان الشاعر الأخير ” حالة عصيان و فرار!” الصادر من مصر عن دار “ضاد”.