لا يعرف العنصرية والتعصب الجزء الثالث.. والأخير
يوليو 17, 2018
عدد المشاهدات 830
عدد التعليقات 0
إبراهيم يوسف – لبنان
“ولي فؤادٌ إذا طالَ العذابُ بِهِ
هامَ اشتياقاً إلى لُقْيا مُعَذِّبهِ
يفديكَ بالنّفْسِ صَبٌّ لو يكونُ لهُ
أَعزُّ من نفسِهِ شيءٌ… فداكَ بِهِ”
أمَّا “مُسْبَطِرٌ”..؟ موضوع المفردة التي شغلَتكَ “واستبدَّتْ” بإعجابك، والتي أشرتَ إليها في بعض الرسائل المتبادَلة بيني وبينك، فقد تعلمتُها من الراحل ورجل الفكر المبدع سعيد تقي الدين، رفيق أنطون سعادة ومن “مريديه”؛ صاحب نظرية كل مواطن خفير، والروح الثائرة واللهب البركاني الذي لا يخبو. سعيد تقي الدين رحل في الوقت المناسب، حينما لم ينكسر خاطره تماماً أو يعانِ من خيبته بأحوال هذه الأمة المنكودة؛ تنحدر بزاوية حادة فتبلغ أدنى نقطة على “باراپول” الأمم. “إن تراب الدّنيا لن يطمرَ تلك الحفرة العميقة، ورنينُ الرُّفوش في ذلك الفجر الحزين، سيبقى النفير الدّاوي حتى يقظة هذه الأمة. بها ترتفع منارة الحياة على فوهةِ العدم”.
ذلك بعض ما كتبه سعيد تقي الدين في الأيام التي تلت إعدام الزعيم. وكانوا مع طلوع الفجر في الثامن من تموز من العام 1949 قد أعدموه رميا بالرصاص، بعد محاكمة قصيرة عاجلة تألفت في عتمة الليل، ودهاليز السياسة والخسَّة وأعلى درجات الجهالة والغباء. هكذا نالوا من الزعيم وغدروا به بعيدا من فكره ومبادئه “لتنطوي” صفحة حياته إلى الأبد. وأتحوَّلْ من جهتي بعد هذه الإشارة المقتضبة إلى سياق المفردة من جديد.
هذه المفردة تعني الانبساط والزّهو والتبختر في المشي وأصلها سَبْطَرَ. ومما قرأتُه في التفتيش عن مدلولها، أن امرأة حاكمتْ صاحبتَها إلى شريحٍ بيدها في هرَّة؛ فقالوا: “ادنوها من المدَّعية فإن هي قرَّتْ ودرَّتْ واسْبطرَّتْ؟ فهي لها، وإن فرَّتْ وازبأرَّتْ ونأتْ بنفسها عنها فتكون لصاحبتها”. لكنَّ مَنْ تعلَّمتُ منه المفردة استخدم الزين بدلا من السين “مزبطراً”.
سحرتني فرادة هذا الأديب يرسم أصدق الصور وأنقاها، عن عادات أهل الجبال من طائفة الموحِّدين الدروز، ممن يلتزمون تشدّد الهندوس في التقيّد بسائر عاداتهم ومعتقداتهم وشعائرهم، وأذهلتني شجاعته العالية في مسيرة حياته، ومقاومته الرياح العاتية التي “عصفت بشراعه” في دنيا الاغتراب.
وحينما فتَّشتُ عن أصل الكلمة في أكثر من قاموس ومرجع..؟ قصاصاً للوقت على حسابِ حشرية المعرفة؛ وجدتُها بالسِّين: “كَمِشْيَةِ خادِرٍ ليثٍ سِبَطْر”ِ، وليستْ بالزَّين كما استخدمها المغفور له الأديب والراحل الكبير تقي الدين. ويتراءى لي أن الأديب الراحل، تصرّف بالمفردة على هواه عن سابق إدراك وتصميم، فشاءها دُرْزِيَّةً الهوى على لسان بني معروف من أهل الشُّوف، في دير القمر حاضرة الأمراء المَعْنيين، وَبْعَقْلِيْن المشرفة برصانةِ أهلها من التلال المجاورة، على قرى إقليم الخروب وساحل الدامور.
“فمزبطرٌ” بالزَّين المُعَطَّشَة حتى حدود الظاء مع الطاء الغليظة التي تلي..؟ لها مدلول رجوليٌ يتمتع بمفعول تضخيم الزَّين، لتبلغ حد الفحولة والورم وتأتي أشدّ وضوحاً وخشونة، كما يوحي نطقها على اللسان ووقعها في سمع أبناء الجبال، ممن لا زالت نساؤهم يتمسكن بالحشمة، والمناديل البيضاء يسترن بها شعورهن، ورجالهم يتمسكون بارتداء الشراويل الفضفاضة، وقد شمَّروا عن سواعدهم للعمل في زراعة الحقول والعناية ببساتين الفواكه والثمار، فتورّدت وجناتهم بفعل العافية وطيب المناخ. يقولون “الحق” بلماحة وكياسة تؤدي رسالتها دون أن تجرح مشاعر الآخرين.
لكأن المفردة المعنيَّة تتمتع بخصوصية رجولتهم المشبعة بالتعبير..؟ لا بتخنثٍ الخصيان مع حريم السلطان وبعض المسلسلات الرمضانيَّة التعيسة، وفيها تظهر سطوة السلطان، ونعومة النسوان في قصور بني عثمان. ففي تلك القصور واستنادا إلى تاريخ الأتراك الطويل، الحافل بشتى أصناف المظالم وتجويع سائر أهل الأرض، كانت النسوان تتمتع بالأمن والأمان، وراحة البال من التّعدي عليهن من الخدم الخصيان.
أرأيت بنفسكَ نزعة الهَبَل في رؤوس هؤلاء البشر العميان، والاستخفاف بما سخرَّه الله للبشر، وسائر المخلوقات من الزواحف والهوام والحشرات، للتناسل والمتعة والبقاء وبهجة بني الإنسان والحيوان على السواء..؟
وبعد؛ فهنا بيت القصيد..؟ هذه المرة ليست مع زاهي وهبي، وضيوفه من المثقفين على قناة الميادين..؟ بل معي؛ وأنا أرى يا شيخي بأمِّ عيني في نشرةِ أخبارِ المساء، كيف يكون جزاء من يتخنث من الرجال. رأيتُهم كيف يرمون المِثليّ المخنَّث من أعلى طبقة في البناء، ما يضمن أبشع أشكال الرعب قبل الموت. مصحوباً بصراخ رهيب وهو يهوي بفعل التسارع وجاذبيَّة نيوتن.. عملا بأحكام الشريعة وتنفيذا لأوامر “الرحمن”؛ وقد أجمعتْ كل المذاهب على المبدأ واختلفوا على الوسيلة..؟ بالرمي من أعلى طبقة في البنيان، أوالشوي على النار أو بالسّحل والذبح الحلال.
ألم يكُن هذا جزاءُ المنحرفين عن جادةِ الأخلاق..!؟ وما يحملُ معه من الصدمة والوجوم والتساؤل والحيرة والخوف من عدالة السماء، وأنا أسمعه يصرخ قبل بلوغه الأرض وهو في طريق رحلته إلى الموت. المنظر في غاية البشاعة والهول..! والله حرام؛ أين دورك يا شيخنا وتأثيرك في القضاء، واجتهادك في التمييز بين فعل الحلال والحرام..!؟
فهل توقفت السرقات حينما شرَّعوا وقطعوا يد السارق؟ وهل توقفت المثلية بعدما “دهوروا” المثلي من الطبقة العاشرة يا ناس..؟ ما لنا وللمخنثين المنحرفين يا شيخنا..!؟ لِمَ لا نُشْغِل نفوسنا بتأمين الماء والكهرباء، ولقمة العيش ومحاربة الفساد الذي يعصف بالبلاد، ويطيح بالأمل الباقي في وجدان الفقراء..!؟ ولِمَ لا نترك أمر حساب المخنثين والمثليين لله وحده، يقضي بنفسه فيهم فيدينهم أو يطهِّرهم كما يشاء؟ ولِمَ لا يكتفون بحبس المُدان من عام إلى عامين ومن دهرٍ إلى دهرين، إن كان لا بد لقضاء البشر من التدخل في الحساب والعقاب، بالنيابة عن رب العباد!؟
ولو شاءوا يا مولانا..؟ فليحقِّروه ويصفعوه ويبصقوا في وجهه ويركلوه على قفاه. أما أن يستبيحوا دمه كالفراخ..!؟ كنت سأتوسل إليهم أن يحفظوا روحه.. فروحه يا مولانا الشيخ من حق خالقه وحسب. ورب الكعبة والقدس الشريف وبوذا وميترا النبيّ، والمسجد الأقصى ودماء الحسين.. حرام. كل ذلك صونا للأخلاق على الأرض وتنفيذا لنواهي، وأوامر الله بلا اختلاف بين سائر المذاهب في الإسلام، بل خدمة للدِّين والموعودين بحدائق النور في حضرة الرحمن. ألا يستدعي الأمر يا مولانا الشيخ، إعادة النظر في اجتهاد أو فتوى أو احتيال على الشرع، لتخفيف مثل هذا الجور في الأحكام..!؟ كما نجتهد في الاحتيال على الربا وعلى السفر بقصد الإفطار في رمضان.
أما من جانبي يا صديقي؛ فدعني أقل لك ما في خاطري بلا لوم أو عتاب؛ وهو قول لا تحمد عقباه..!؟؟ لكي ينعم العالم بالعدالة والأمن والسلام..؟ فنحن بحاجة ماسَّة إلى مِثْلِيٍّ مُحايِدْ ليس من الذكور أو الإناث، ممن لا يتعصبون لواحد من الجنسين، شرَّعوا له طويلا في الغرب الماجن الملحد المنحرف الفاسق الفاجر، وحرقوا دِينه فكتموا أنفاسه في الإسلام. هذا المنحرف الحقير.. سيحكم العالم بلا انحياز في المشاعر والأهواء..!!
أليس الأفضل أن يحكمَ العالم مِثْلِيّ محايد، بدلا من عُدوانيٍّ ومُكابرٍ وسفَّاح!؟ اللعنة على الضلالة والشيطان كيف يغرِّرُ بنا ويورطنا، في كلام لا يخلو من الحذر والتقيَّة والإحراج، ما دمنا نسخِّر كل حضارة الغرب لصالحنا ونتّهمهم بالشذوذ الجنسي والإلحاد، وننكر عليهم تضحياتهم وجهودهم في ابتكار المحمول والحاسوب، وأدوات جراحة القلب والعين، وتأصيل حبوب القمح لإطعام الجياع على الأرض، وسعي دؤوب لم يتوقف لابتكار علاج للسرطان.
ونحن مشغولون بإنفاق المال والثأر فيما بيننا في العراق وليبيا وفي اليمن وفي حاضرة سوريا الشام. البعض والكل على البعض والكل.. “جزم يا عرب” بالجيم العراقية المعطشة، وجيمِنا من زمان في غربي بعلبك من وادي البقاع…!؟ الرحمة والمغفرة والثواب أيها الأخوة، على روح الشهيد أحمد سعيد مذيع النكسة في صوت العرب.
مثل هؤلاء ليس لديهم ما يفاخرون به، سوى مال لم يتعبوا في الحصول عليه، رزق من الله يشترون به حضارة الغرب حينا أو ينفقونه على البغاء أكثر الأحيان. إحدى الشركات الشهيرة بنشاطها ونجاحها الاقتصادي في المنطقة..؟ تلقت سيرة حياة Monsieur)) – (السيِّد) عادل الحاج حسن. كما ورد في أعلى شهادته الجامعية، تمهيدا للعمل في الشركة المشار إليها..؟ والمفاجأة المضحكة أن يتلقى صاحب الطلب ردا من إدارة الشركة المعنية، تتوجه إليه بالخطاب من خلال (منصور) عادل الحاج حسن..! وصديقنا (منصور) لا يعرف ولم يكتشف حتى اليوم.. كيف وصله بالبريد رد الشركة الموقرة..؟ في بلدة يربو عدد المقيمين فيها، عن عشرات ألاف من السكان..!؟
الشيطان يا مولانا الشيخ يلعب دوره بإتقان، فيورطنا في كلام لم يكن منصفا بحق مراكز الأبحاث في الغرب وبلاد الأميركان..؟ فلنتوقف هنا يا صديقي بعدما نصحتني أن أعتدل قليلا في الخطاب، وأبدَّل في العنوان فأختزل الشّطط وأعتمد الحيطة والحذر ورشاد العقل والوجدان. ولكن لماذا تأخَّر العرب ويتقدَّم الغرب في مختلف المجالات..؟ فإن مهند النابلسي يعزو السبب إلى تركيز الغرب على المستقبل أكثر من الحاضر والماضي. الغرب الذي تعلم كيف يخطط ويبني، وتعلم كيف يقدِّر بل ويقدِّسُ الوعي والدقة في تنفيذ الأعمال.
أما إذا كنتَ يا صديقي قد تعرفتَ إلى مفردة “مزبطرٍ” عن طريقي..؟ فأنت من علمني الشرود عن سياق الموضوع والتورط في المخاطرة والمحظور الذي لا يخلو من طول اللسان..! مهما يكن الأمر ففي التعامل معك، سأستخدم صيغة سعيد تقي الدين بالزين المخالفة لأصل اللغة، وهذه ليست مؤامرة على سلامة اللغة من التحريف إن لم يكن مني أنا الصعلوك..؟ فمن سعيد تقي الدين الكاتب المبدع اللماح أحسن الله إليه وطيب مثواه.
كنت أردُّ مرة على تعقيب تناول مقالة كتبتها، وحظيت بنصيب وافر من القراءة والتعليقات، وخطر لي أن أحاكي مفردة “تأرَّض” أي هبط على الأرض، كما في “أقمر” أي غزا القمر ما فعله ذات حين نيل أرمسترونغ، أو “استحلى” كما هي حالنا في بيروت مع “البابا وحلوى الحلاّب”، و”اسْتَلْحَمَ” كبعض أصحاب اللحى والعياذ بالله، ممن يتهالكون على الثأر من اللحم، فيفتحون بأصابعهم أنفاقا في مناسف الأرز أمامهم على الطعام “، و..”زَبْزَبَ”..!؟ لا.. لا يشط بك خيالك بعيدا. ودعك من النوايا الخبيثة وحكي الزّوايا . سامحك الله هو عنب الكروم المجفف يا صاحبي.. والسلام.
حينما خطرتْ لي فكرة محاكاة المفردات..؟ خيل إليّ أنني عثرتُ على ضالتي في فعل “امْتَرَتْ”، بمعنى تطلَّعتْ إلى نفسها مزهوة أو مخدوعة بجمالها في المرآة. ورقص قلبي طربا للمفردة الجديدة المبتكرة، يدخلها صعلوك مثلي أو “سعلوك” تخفيفا لوقع سين الأنوثة بدلا من صاد الرجولة على أذنيَّ وأذنيك. واعتبرت نفسي يومها شديد الموهبة والنباهة في ابتكار المفردات، وهذه المفردة الجديدة المبتكرة – وليست كذلك إطلاقاً – ستتشرف اللغة العربية أن تحتضنها وتفخر بها، فأبزُّ بها عبدالله العلايلي وبديع الزمان الهمداني، وناصيف اليازجي ومجمع البحرين، لكي أصاب بخيبة أمل جديدة إضافة إلى خيباتي المتكررة، التي ضاعت في أعماق ذاكرتي لعدم قدرتي على الإحصاء.
لكن خيبتي هذه تشبه على نحو ما، ما أصابني في الشعر على يد السيد علي الحكيم، ذلك أن صديقنا الحسن بن هانىء كرَّم الله وجهه وطيَّبَ مثواه، كان قد سبقني إليها منذ أكثر من ألف عام، وها أنا أسمع صوته يأتيني من وراء الغيب وهو يزيح عن مثواه تراب القبر، وينهض مترنحا من سكره من بين الركام، وما أصاب تمثاله من الأضرار على أيدي الملحدين العابثين الفجّار.. قريبا جدا من ديار هدى المهداوي في بغداد، وهو يشتمني ويصرخ في وجهي ويهددني حانقاً ويقول:
هيّا ابتعد من طريقي أيها الوغد الحقير، ألم تسمع ما قاله عني “أبو عثمان”..؟ بأنني في “حلّ من الطَّبع ما دام شِعري يطرق باب القلوب ليدخل بلا استئذان، ولم يرَ صديقي الجاحظ رجلا أعلم باللغة ولا أفصح من لهجتي في البيان”. هيا ابتعد من دربي أيها النكرة فأنا خير من يبتدع الكلام، ويحسن الدفاع عن المثليين، ولا زلتُ على ريق بطني وأشعر هذا الصباح بالتقزز والغثيان، فابتعد عني لكي لا أتقيأ عليك وعلى المتنورين الثوار، وأهل الشعائر من أصحاب اللحى من خلفاء هذا الزمن العار، ممن يَزْبَطِرّون في لبس الجبة والقفطان، فلم يكفهم الرأس المقطوع في معرة النعمان في بلاد الشام، حتى نالوا مني وخرَّبوا نصبيَ في العراق، لأنني تماديت في حريتي ونظمت شعري كيف كنت أعاقر الخمر، فألهو وأسكر وأعشق الغلمان والنسوان.
وما سمَّيتموه من بعدي بالأدب المستور..؟ لم ألجأ في نظمه إلى التورية والإشارة في الدلالة والتعبير، بل باستخدام مباشر وصريح للمفردات المُعِيْبة على اللسان، فلم يحجبها بل جمعها بعض علمائكم كجمال الدين بن مكرم بن منظور..! فليكشفِ الله سوأتكم وعاركم وخستكم المخبوأة في متاهة عقولكم يا أهل هذا الزمان.
“ألا، لا أرى مثلي (امترى) اليوم في رسم
تغُصُ به عيني ويلفظه وهمي،
أتت صور الأشياء بيني وبينه،
فجهلي كلا جهل، وعلمي كلا علم.”
فجهلي كلا جهلٍ وعلمي كلا علمِ..!؟ وهكذا يمكنك أن تفعل باللغة، ما يحلو لك ويطيب لخاطرك، فتسخِّرها للعتابا والميجانا نكاية بالمتحمسين الأدعياء لعدم المَسّ بها. ما دام بعض زناة العرب والمسلمين، قد فعلوا ما فعلوه واستباحوا حرمات بعضهم البعض، بلا عتب أو غضب أو ندم أو حساب..!؟ ثم تعال وامسح ما فعلتَه بجبتي المهترئة من أرخص “البالات”. “وعَبالي عَنِّتِ بلادي عَبَالي/ وْعَلَوّا مِنْ نَسْجْ يَدِّك عبالي”. العتابا من تراثنا الشعبي الجميل، ستكمل لازمة البيت بحماسة وإرادة طيبة دونما طلب مني أو رجاء، وذلك على مذهب زهر البنفسج.. وريح الشمالي يا نسيم بلادنا، ويا ربِّي تكبرْ مُهرتي”. هذه المرة بالميجانا الوجه الآخر من عتابا أهلي وأهلك في الشام الحبيب، الذي أمعنوا فيه ترهيبا وتدميرا “وتخريبْ”.. تخريب؛ التي لم أعطفها على ما قبلها نكاية وشماتة.. فيك.
ولئن لُمْتَني يا صديقي على المديح والثّناء..؟ فهذا “بِزَّكَ”؛ أنا أفهمك جيدا وأعرف كيف أحُكُّ لك بظفري ما “يرعاك”، وأن الإطراء وإن أسعدك كما يسعدني، لكنه لن يطيح بعقلك أو بعقلي، فيعصف بنا ويسكرنا لنغيب عن رشدنا، ما دمنا نعرف أنفسنا جيدا؛ فمن عرف نفسه فقد عرف قيمته، ومن عرف قيمته فقد جثا على ركبتيه وحنى رأسه للآخرين. ولسان حالك وحالي يردد مع رابندرانات طاغور، نبيِّ الهند وشاعرها وشمسها المشرقة على الكون:
“يا رب ساعدني على أن أقول كلمة الحق في وجه الأقوياء، وساعدني على ألاّ أقول الباطل لأكسب تصفيق الضعفاء. يا رب إذا أعطيتني نجاحا فلا تأخذ تواضعي، وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي. يا رب إذا نسيتك فلا تنسني”.
أخيرا؛ فلا عليك يا صديقي.. لا عليك أبدا من أخطاء وهفوات القواعد. القواعد ليست مطلقة وليست نهاية الكون في حال من الأحوال.. وما من مطلق إلاّ الموت. وأما في الفكر والتعبير والمعتقد فسبحان من لا عيب فيه.. أليس كل ما هو خال من الأخطاء يشبه الله..!؟ والله ليس له من مثيل أو شبيه. نحن بشر ياصديقي، وكلما ارتكبنا مزيدا من الأخطاء..؟ كلما كنا إلى حقيقة الإنسانية أقرب.. ألم يكن الحسن بن هانىء مرة أخرى عبقريا ومُلهَما كالخيام، وصوفيا كالحلاج وهو يقول:”يا كبير الذنب عفو الله من ذنبك أكبر”.
فقدتُ منذ بعض الحين ثلاثمائة صفحة أضعتها في متاهة الحاسوب، ما يعادل حجم كتاب متواضع من الخربشة المنكودة، التي لا تجدي كثيرا.. ولا تنفع. لا سيَّما ولم يخطر في بالي مرة أن أجمعها وأطبعها في كتاب؟ فلا ينبغي أن أندم كثيرا على “الخسارة”. لكنني لم أنم ليلتي وكادت تصيبني سكتة في قلبي على تعب طويل بذلته في تسويد تلك الصفحات العقيمة.. فما بالك بالله يثأر من عباده من صنع وإبداع أياديه..!!؟ إن لم تصدقني فتعالَ معي إلى مظفر النواب، يلقي عليك سلامه ويتوجه إليك بهذا المزمور البديع من أحلى الكلام. مظفر غابت أخباره من زمان، أسأل الله أن تكون قد توقفت آلآمه، وفوَّض أمر دنياه وآخرته إلى مشيئة الله رب العباد.
“هل تاب الخالق من خمر الخلق
ومسح كفيه الخالقتين لكل الأوزار الحلوة في الأرض
فأتوبُ..؟ تلك ذنوبُ..!!
تعال لبستان السر أريك الرب على أصغر برعم ورد
يتضوع من قدميه الطيب
قدماه ملوثتان بشوق ركوب الخيل
وتاء التأنيث على خفَّيه تذوب”.
رَيِّحْ بالك يا صديقي وتعال معي إلى “الله في داخلك”، يناشدنا نبذ العنف والدماء لبلوغ الفردوس المنشود، فلا ينبغي يا صاحبي أن نخشى أو نخاف الله الذي نؤمن به ونعرفه فهو لا يحرق ولا يشوي. ومن يخاف الرحمن الرحيم؟ لهو محدود الفهم والفكر قليل الحيلة والتقوى، وهو ملتبس وموهوم وناقص الفعل والعقل والإيمان والدين.
ألم يتناهَ إليك ما كان من أمر نبيِّ الله داود..؟ وهو يرى من سطح بيته صنع الله وإبداع أياديه، يتجلى في امرأة أوريا الحثي قائد جيشه، وهي عارية تغتسل في دارها فيطيح بصوابه المشهد، وتسجد نبوته عند قدميها ومستودع أسرارها وجسمها العاري الجميل، فلا تتحكم فيه منعة الروح، وتعصف الرغبة بنبوته فتزلزل كيانه من عمق الجذور.
ولكن؛ من قبيل الحيطة والحذر وحسب..؟ أعقِلْ قليلا وتوكَّلْ ولا تتمادَ كثيرا في ضلالك، فإن لم تقتل وتسرق فلا يصح أن تشهد بالزور “إلاّ لمصلحتي”..! ولا تتورط أو تزنِ ما دام باب المتعة والفرج مفتوح على مداه. وهكذا تنأى بنفسك عن الإساءة لأحد.. وتأكد بعد ذلك أن الله غفور رحيم لا يشوي ولا يحرق، ولا يمعن في تجديد الجلود.
ولكي يطمئن بالك ولا ينشغل فكرك على حالك..؟ هذه وثيقة مرور تجتاز بها كل حواجز الخطف على الهوية، مما عرفناه طويلا في حربنا الأهلية على الحواجز الطيَّارة، بين الحركة الوطنية وقوى الانعزال، “حينما كان الواحد منّا – بتعبير مظفر النواب – يحمل في الداخل ضده”.
ثم تجوب بوثيقتي أربع رياح الأرض، آمنا مطمئنا على سلامتك بلا تأشيرة أو سمة دخول، في عالم يتمتع بالعدالة والهدوء، ويخلو من أسباب القتل والمظالم والترهيب، في ظل حاكم مِثْلِيٍ وحياديٍّ عادل لا يعرف العنصرية والتعصب، وربما كانت الوثيقة صالحة أيضا لتدخل بها الجنة، التي وعد بها الله عباده من المؤمنين المتقين، وحارس بابها واحد من قومنا دون سوانا من أهل الأرض.. أجمعين.
ولو تجاوزنا فترة العيد قليلا يا صديقي؟ فكل عام وأنت مرجعي وشيخي وقدوتي، وعمامة بيضاء على قِمَّةِ رأسي، العمامة التي طالبتني بها في التباسك للتفريق بين شيخ ومريد…!؟ والقِّمة بالكسرة على القاف، وليست بضمة العبء الثقيل على ذمم السياسيين المحترمين، ممن جرَّدوا بلادنا من اللحم، ليتناتشوا فيما بينهم ما بقي من عظام خروف العيد السَّمين.