بؤس الدولة الأيديولوجية
يونيو 27, 2017
عدد المشاهدات 1382
عدد التعليقات 0
أحمد برقاوي
ماذا يعني أن تكون الدولة أيديولوجية؟ يعني ببساطة أن تبني سياساتها الداخلية والخارجية انطلاقاً من أيديولوجيا رسمية، وتجعل منها أساساً لتصوراتها المستقبلية.
وليس هذا فحسب، بل وتسعى لنشرها في محيط لديه قابلية لتقبل أيديولوجيتها الرسمية هذه، وتُجترح الأساليب التي من شأنها تحقيق ذلك حتى لو أضر ذلك بها كدولة، لأن الأيديولوجيا متقدمة على المصلحة.
كان الاتحاد السوفييتي أكبر دولة أيديولوجية في العالم، وكانت مصر الناصرية هي الأخرى دولة أيديولوجية داخلياً وخارجياً، وقس على ذلك دولة البعث في العراق. وكانت هذه الدول صادقة في تبنيها الأيديولوجيات وتعمل من وحيها.
على عكس دولة البعث في سوريا التي لم تكن الأيديولوجيا البعثية إلا قشرة خارجية لأيديولوجيا ضيقة وخفية قائمة على توفير سبل البقاء في السلطة حتى لو أدى ذلك إلى تدمير البلاد والعباد.
ونحن نعيش في الشرق اليوم بقايا الدول الأيديولوجية: إيران ذات الأيديولوجيا الدينية الشيعية، وسلطة حماس في غزة ذات الأيديولوجيا “الإخوانية”، وسلطة قطر التي تقف الأيديولوجيا “الإخوانية” وراء سلوكها الخارجي من دون أن تتبنى في العلن الأيديولوجيا “الإخوانية”، والسلطة التركية التي يقف على رأسها حزب العدالة والتنمية.
لأن تركيا الدستورية ليست دولة أيديولوجية، بل السلطة الحاكمة هي السلطة الأيديولوجية وقابلة للتغير وفق قانون الانتخابات التركية. وقس على ذلك السلطة الأيديولوجية الحاكمة في العراق الأيديولوجية من دون الإعلان عن أنها أيديولوجية.
ولعمري إن خطر الدولة الأيديولوجية الإيرانية، على وجه الخصوص، كبير جداً، فضلاً عن التوجه “الإخواني” لقطر، وسلطة حماس في غزة بل أكبر مما نتصور.
فإيران هي الدولة الوحيدة التي تعلن بأنها دولة إسلامية – شيعية ولديها حرس ثوري لتصدير الأيديولوجيا نظرياً وعملياً، وعلى رأس السلطة يقف الحاكم بأمره، وحول هذه السلطة تلف ميليشيات مسلحة في لبنان والعراق وسوريا واليمن، إلى جانب بعض التنظيمات غير العلنية في دول أخرى.
تقوم استراتيجية الدولة الأيديولوجية الإيرانية في الشرق العربي على زعزعة الدولة المركزية أولاً وقيام ميليشيات مسلحة تتحول إلى سلطة تساوي في قوتها السلطة المركزية.
فحزب الله في لبنان الآن هو سلطة حاضرة وشبه مستقلة إلى جانب سلطة الدول، بل وأقوى من سلطة الدولة، فخلال ساعات احتل هذا الحزب بيروت الغربية لفرض شروطه على السلطة، وقس على ذلك العراق الذي تتحكم فيه الآن ميليشيات تأخذ أوامرها من طهران، وليس بخافٍ على أحد ما فعله الحوثيون في اليمن بفضل الدعم الإيراني له، وما تقوم به إيران في سوريا شبيه جداً ما قامت به في العراق، وهكذا.
فيما قطر الداعمة للحركات “الإخوانية” في المشرق، والتي تسعى للوصول إلى السلطة بكل الطرق بما فيها الطرق العنفية، فإنها بهذه السياسة الأيديولوجية تقوي من هذه الحركات مادياً ومعنوياً، وتزعزع الهوية الوطنية، ذلك لأن الأيديولوجيا “الإخوانية” القائمة على فكرة الحاكمية لله هي أيديولوجيا تعادي الوطنية باسم الإسلاموية.
وليس من الغرابة بمكان أن نجد بأن هناك لغة مشتركة أحياناً بين دولة ولاية الفقيه والحركات “الإخوانية” كحماس مثلاً. وهذا يعود إلى وحدة الذهنية الأيديولوجية.
وعندي أن المصالح المشتركة للدول العربية الآن والمؤسسة على الاستقرار والتنمية والمواطنة يجب أن تتجسد باستراتيجية عامة طويلة الأمد. استراتيجية تفعل فعلها في الداخل:
ثقافية واقتصادية – تنموية وتفعل فعلها في الخارج بمواجهة لا هوادة فيها للخطر الإيراني ورؤوسه المتعددة في بلادنا.
وهنا يجب أن يتعاون رجال السياسة والفكر في رسم خارطة طريق للمستقبل القريب والبعيد. والعمل على توفير كل السبل الداخلية والخارجية لترى هذه الاستراتيجية النور على أرض الواقع عملياً.