صانعة أفلام يمنية تواجه الحرب بتوثيق مآسيها
نوفمبر 04, 2021
عدد المشاهدات 854
عدد التعليقات 0
يسرى إسحاق تروي كيف بنت علاقتها مع الكاميرا وسط الأزمة التي تشهدها البلاد
على الرغم من كون اليمن متحفاً مفتوحاً بتنوعه البيئي وثرائه التاريخي والإنساني، إلا أن صناعة المحتوى المصور تكاد تنعدم في البلد الذي تعصف به الصراعات السياسية، وهو ما أسهم في ضعف الإنتاج الإعلامي على الرغم من حاجة الشعب للحياة والانعتاق، فضلاً عن جملة المحاذير التي تعترض هذا المجال نتيجة انفلات السلاح وحملته.
من اللافت في ظل تلك الظروف أن تتولّى فتاة مهمة نصب العدسة وتسليط الضوء لتوثيق المشهد ورصد اللقطة، في بلد يشهد تعقيدات صعبة، إذ تتداخل صور الدمار والأشلاء مع جماليات زهور أغصان البن، وتُظلِم سطوة السلاح بريق العيون المحزونة ولمعة الرمال المهجورة ولآلئ السواحل البكر الممتدة.
المهمة المعقدة لم تثنِ يسرى إسحاق، التي خاضت التحدي حتى غدت منتجة ومخرجة أفلام، بعد أن حملتها الصدفة عام 2013 على اقتحام المجال الذي توسعت فيه بعد الحرب بالرغم من ابتعاد تخصصها الدراسي عن الفضاء الإعلامي، فما “خلّفته الحرب من ركام إنساني دفعني إلى استشعار أهمية نقل قصة أو مشهد عشته، فشعرت أن صناعة الأفلام وسيلة يمكن ترجمتها وفقاً لهذا الشعور الذي أعيشه بين الناس بتجسيده بصريا”.
نقل وتوثيق
في حديثها عن المنطلقات التي حددت خياراتها التحريرية نحو موادها، تعتبر أن اهتمامها بالبسطاء والمنسيين وذوي الاحتياجات الخاصة دفعها نحو “عالم صناعة الأفلام الوثائقية لإبراز قضاياهم وحاجاتهم”.
كما أن اهتمامها بالقصّ والسرد ساعداها على بلورة “المواضيع التي أتناولها في مختلف المواد التي طرحتها فضلاً عن الدافع الخاص الذي يتمثل في نقل المشاهدات العامة التي تعترضني خلال يومياتي سواء كانت إنسانية أو اجتماعية وغيرها”.
وجدان الإنسان
من خلال التقليب في نتاج الثلاثينية اليمنية، يُلاحظ طغيان التناول الإنساني والحقوقي على أفلامها، فتعتبر ذلك “محاولةً لعكس الواقع الذي تعيشه اليمن وأهلها على مختلف الأصعدة”.
هنا تشير إلى أن موادها البصرية التي وصلت إلى منصات دولية مثل “واشنطن بوست” و”بي بي سي” و”نيويورك تايمز” وغيرها، وتناولت جلها عدداً من القضايا الإنسانية مثل ضحايا الحرب وسوء التغذية لدى الأطفال، بالإضافة إلى زواج القاصرات والقصص الإنسانية وقصص النجاح المشرقة.
4
كواليس من أفلام سابقة للشابة اليمنية يسرى إسحاق (اندبندنت عربية )
الكاميرا والكلاشنكوف
تعترض طريق يسرى، جملة من المعوقات تلخصها في “التمويل والمحاذير الأمنية”، إذ إن التمويل الذي “يمنحه عدد من المنظمات الدولية أو المحلية لإنتاج بعض الأفلام المستقلة لا يتيح لنا تناول بقية القضايا التي يعج بها الشارع اليمني، إضافة إلى بعض الشروط التي تحد من النشاط المصور في اليمن”.
كما أن سطوة التشكيلات العسكرية المنفلتة التي تتوجس خيفة من عدسات توثيق الواقع حالت دون شعورنا بالحرية، بالتالي “لا نستطيع اليوم أن نمسك بالكاميرا في أي مكان ونصور ما نريد، نظراً إلى المنع الأمني الشديد لكل من يمسك كاميرا في صنعاء وغيرها من المناطق المحيطة بها”.
هذه الحال وفقاً لإسحاق “تحرمنا فرصة توثيق الكثير من الأعمال الرائعة نظراً إلى الحاجة المسبقة للترخيص الأمني وما يتطلبه من إجراءات معقدة وتحول دون أن نكمل الكثير من الأفلام وكأن الكاميرا كلاشنكوف قاتل”.
ونتيجة ذلك، لم تخفِ توجسها من حالة الاستقطاب السياسي الحاصلة في اليمن في ظل ما أفرزته، ولهذا “نحرص أن نكون في منطقة موضوعية مستقلة”.
الحرب في عيوني
في ظل حاجة القضايا الإنسانية التي تتفاقم في بلدها ولتسليط الضوء عليها، تقول “كل أفلامي تعبّر بطريقة أو بأخرى عن مأساة الحرب”.
وتضيف “حتى لو لم نتطرق إلى القضايا الإنسانية بطريقة مباشرة، فآثار الحرب، رغماً عنّا، تظهر في عيون المتحدثين وملامحهم الشاردة وألوانهم الممتقعة جراء الحزن والجوع والنزوح”.
تواصل بتأثر “للأسف، الحرب أرهقتنا كثيراً وألحقت بأعماقنا الكثير من الخراب والأذى الذي يظهر في عيوننا وقسمات وجوهنا على هيئة دموع منسرقة على الخدود الغائرة وإن حاولنا مداراتها بابتساماتنا المكابرة”. ولهذا، فملامح الناس تكفي “لشرح مأساة الحرب التي يعيشونها من دون الحاجة، أحياناً، للحديث عنها عنوة”.
غياب البُعد الوطني
نظراً إلى ندرة تغطية الجانب الثقافي وإلارث الإبداعي في اليمن عن عدسات التناول المرئي في بُعده الوطني، تسعى يسرى إلى المساهمة في ملء هذا الفراغ من خلال “تكوين شبكة معلومات تضم كل المبدعين ومواصلة إقامة عدد من المعارض التي تهدف إلى الكشف عن الإرث الإنساني اليمني الزاخر، كما أن التدريبات التي نقدمها سيكون لها شأن في إبراز مختلف القضايا”.
إنساني… ثقافي
كون اليمن مليئة بالأحداث والقضايا، ترى أن الجوانب التي تستحق التطرق إليها في المحتويات المصورة تتمثل في “الجانبين الإنساني والثقافي”.
وتضيف “الكل يتحدث عن الإنسان اليمني والحرب، سواء وسائل الإعلام أو المنظمات أو الجهات المحلية أو الدولية ولكنها في حقيقة الأمر بعيدة من جوهر حياته وتفاصيل معاناته ولهذا فقصة الإنسان اليمني لم تصل”.
تذهب إلى أن هذا الأمر يدفعها لتبني تصوير القصص الإنسانية التي “أختارها أكثر من قصص النجاح الملهمة”.
أما على الصعيد الثقافي، فتعتبر أن الحرب حالت دون إبراز هذا الإرث الضخم وتضمينه في مواد إعلامية “على الرغم من غنى البلد وتنوعها بين مواقع أثرية وتاريخية ومبانٍ وقصور قديمة وموروث شعبي وحرفي وإبداعي وغنائي فريد وملهم يستحق أن نراه في أفلام تنافس نظيراتها في المهرجانات الدولية”.
دمية للعروسة
من بين الأعمال التي تركت أثراً عميقاً في وجدانها، فيلم يمني يتناول قضية زواج القاصرات، تضمّن قصة طفلة عمرها تسع سنوات، هربت من بيت زوجها، و “بعد أن لجأت إلى اتحاد نساء اليمن في محافظة الحديدة، التقيتُ بها وعمرها 11 سنة، عندما بدأت أسألها عن قصتها، تذكّرَت واقعها فانفجرت باكية حتى أغمي عليها وعندما أفاقت اعتذرت”.
تقول “أهديتها دمية، وعرضت عليها نزهة على البحر، ففرحت كثيراً وتركت العباءة التي كانت ترتديها، وكأنها وجدت فضاء الحياة من جديد والعودة إلى طفولتها المسروقة، وظلت تلعب على الساحل بفرح غامر وكأنها في سنين طفولتها الأولى”.
كما أن هناك فيلماً يتحدث عن الواقع الصعب للمرأة اليمنية في زمن الحرب التي تسببت في “مضاعفة مسؤولياتها الاجتماعية والمنزلية إلى
الحد الذي وجدت نفسها فيه مسؤولة عن إطعام أسرتها وأبنائها وتعليمهم وعلاجهم ومكابدتها يومياً في الحياة الصعبة والشاقة”.
*اندبندنت -عربيه