ثلاث سنوات على ‘عاصفة الحزم’
مارس 15, 2018
عدد المشاهدات 1002
عدد التعليقات 0
بقلم: خيرالله خيرالله
تمرّ بعد ايّام الذكرى الثالثة لـ”عاصفة الحزم” وهي حملة عسكرية شنّها التحالف العربي، على رأسه المملكة العربية السعودية من اجل منع سيطرة ايران على اليمن. حققت “عاصفة الحزم” قسما لا بأس به من أهدافها. حقّقت اول ما حقّقت احتواء ايران في اليمن. نجحت في ذلك على الرغم من صعوبة الأرض اليمنية واستخدام الحوثيين (انصار الله) المواقع المدنية دروعا بشرية. اثبتت “عاصفة الحزم” ان ايران ليست وحدها التي تستطيع اعتماد سياسة النفس الطويل، بل ان هناك جهات عربية تعتمد هذه السياسة وتنظر الى اليمن من زاوية واسعة مرتبطة بالامن الخليجي ككلّ.
كشفت “عاصفة الحزم”، التي انطلقت بعد شهرين من بدء عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز، انّ هناك وعيا اكبر واكثر شمولا لأخطار المشروع التوسّعي الايراني في المنطقة. كذلك كشفت انّه لا تزال هناك قدرة عربية على الردّ على ايران. كانت السيطرة على اليمن جزءا من هذا المشروع الايراني الذي لا يمكن ان يواجه بردود فعل آنية تحت تأثير الانفعال بمقدار ما ان المطلوب استراتيجية عربية بعيدة المدى. تأخذ هذه الاستراتيجية في الاعتبار نشاط ايران وميليشياتها في المشرق العربي في موازاة الهجمة التي ترعاها في اليمن.
بكلام أوضح، لم تكن “عاصفة الحزم” فعلا معزولا عن المواجهة الدائرة مع ايران منذ العام 1979 عندما اطلق الخميني شعار “تصدير الثورة” وذلك في غياب القدرة على تنفيذ مضمون الشعارات التي اسقط بفضلها شاه ايران في الشهر الثاني من تلك السنة.
كانت افضل طريقة لتغطية العجز عن تلبية مطالب الذين نزلوا الى الشارع تعبيرا عن رفضهم لنظام الشاه الهرب المستمرّ الى خارج ايران في اتجاه العراق اوّلا ودول الخليج العربي ثانيا ولبنان ثالثا. لعلّ افضل مثل على مدى العداء الايراني للسعودية ان ما قام به جهيمان العتيبي ومجموعته المسلحة التي احتلت الحرم المكي في خريف العام 1979 ترافق مع اضطرابات شجعت عليها ايران، من منطلق مذهبي، في المنطقة الشرقية من المملكة. كان هناك دائما إصرار إيراني على الاستثمار في كلّ أنواع التطرّف، اكان هذا التطرّف سنّيا او شيعيا، لا فارق. المهمّ ضرب الاستقرار في أي دولة مستهدفة وصولا الى ذلك اليوم الذي بات فيه المسؤولون الايرانيون يتحدثون صراحة عن اربع عواصم عربية، هي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، تدار من طهران. كانت المنامة، بالطبع، مستهدفة في كلّ وقت وكان طموح المسؤولين الايرانيين ضمّها الى مجموعة العواصم التي تدار من طهران!
لم يصدر هذا الكلام الّا في الايّام التي تلت وضع الحوثيين يدهم على صنعاء في الواحد والعشرين من أيلول – سبتمبر 2014. لم يكن ذلك اليوم المشؤوم، الذي مكّن الحوثيين من التحدّث عن شرعية جديدة في اليمن هي “الشرعية الثورية”، حدثا عابرا. كان منطلقا للتمدّد الحوثي في اتجاه الوسط والجنوب وصولا الى عدن وميناء المخا الذي يمكن منه اغلاق باب المندب، احد اهمّ الممرات المائية في العالم، نظرا الى انّه ممرّ اجباري لكل سفينة متجهة الى قناة السويس. كان الهدف الايراني واضحا. يتمثل هذا الهدف في ان ايران تلعب دور القوّة الإقليمية المهيمنة على صعيد التحكم بممررين مهمين للملاحة الدولية، أي مضيق هرمز وباب المندب.
في مرحلة ما بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء، وقع حدثان في غاية الاهمية. كان الحدث الاوّل توجه وفد حوثي الى العاصمة الايرانية وتوقيعه اتفاقا باسم الحكومة اليمنية في شأن رحلات أسبوعية بين مطاري طهران وصنعاء. صار هناك جسر جوّي بين المدينتين. اما الحدث الآخر، فكان المناورة العسكرية التي اجراها الحوثيون في منطقة قريبة من الحدود السعودية. كان للمناورة طابع استفزازي. كانت رسالة فحواها انّه صارت لإيران حدود مع المملكة.
كانت “عاصفة الحزم” ضرورة. أخرجت الحوثيين من عدن ومن المخا وهناك الآن ضغط عسكري مستمرّ على صنعاء في ظلّ جمود يسود الجبهات في تعز.
استطاعت “عاصفة الحزم” تقليص حجم المشروع الايراني الخاص باليمن. كانت بمثابة حرب دفاعية ودليل على امتلاك التحالف العربي نفسا طويلا.
من بين ما كشفته “عاصفة الحزم” النيات الحقيقية للحوثيين الذين تخلّصوا من علي عبدالله صالح في الرابع من كانون الاوّل – ديسمبر 2017 لاظهار انّهم يرفضون أي رأي آخر واي شريك، من ايّ نوع، في السلطة في المناطق التي يسيطرون عليها.
يظلّ الاهمّ من ذلك كلّه ان التعاطي مع الموضوع اليمني يندرج في سياق يتجاوز اليمن الى ما هو ابعد من ذلك بكثير. اذا كان سقوط بغداد في العام 2003، بفضل الجيش الاميركي، اعطى دفعة قويّة للمشروع الايراني في منطقة المشرق العربي وحتّى في منطقة الخليج، فانّ سقوط صنعاء اعطى بعدا آخر لهذا المشروع التوسّعي ودفعة من نوع مختلف له. هذا البعد مرتبط بتطويق شبه الجزيرة العربية ايرانيا بطريقة افضل من جهة والانتقال الى تكريس الوجود الايراني في منطقة القرن الافريقي من جهة أخرى. لا بدّ من الإشارة هنا الى ان ايران حاولت في الماضي ان تكون موجودة في اريتريا وحتّى في السودان، أي في دولتين مطلتين على البحر الأحمر. حاولت ان تكون في مصر ايّام كان يحكمها الاخوان المسلمون في عهد محمّد مرسي.
بعد اقلّ من ثلاث سنوات على انطلاق “عاصفة الحزم” في الأسبوع الأخير من آذار – مارس 2015، يتبيّن ان مقاومة المشروع التوسّعي الايراني يندرج في سياق بعيد كلّ البعد عن العشوائية. وهذا يتطلب في طبيعة الحال إعادة تشكيل “الشرعية” بما يتلاءم مع التطورات التي جرت على الأرض. هذا يعني ايضا إعادة نظر بطريقة التعامل مع المناطق الخارجة عن سيطرة الحوثيين، خصوصا ان الحرب الدائرة في اليمن يمكن ان تستمرّ طويلا. كيف يمكن إعادة الحياة الى مدينة مثل عدن؟ مثل هذا السؤال في غاية الاهمّية في حال كان مطلوبا اقناع اليمنيين بانّ التحالف العربي لن يستكين قبل تحقيق أهدافه التي تشمل تحرير صنعاء واعادتها الى أهلها في يوم من الايّام.
ما يمكن ان يخدم “عاصفة الحزم” ليس غياب أي مشروع سياسي او اقتصادي او حضاري قابل للحياة لدى الحوثيين فحسب، بل امتلاك التحالف العربي لاستراتيجية واضحة على الصعيد الإقليمي. عبّرت عن هذه الاستراتيجية الزيارة الاخيرة التي قام بها لمصر وليّ العهد السعودي الأمير محمّد بن سلمان. امن البحر الحمر كان جزءا لا يتجزّأ من هذه الزيارة. ما يمكن ان يساعد أيضا ان ايران ليست قوّة عظمى ولا يمكن ان تلعب دور القوة الإقليمية المهيمنة، لا لشيء سوى لان اقتصادها لا يسمح لها بذلك. لعلّ تجربة الاتحاد السوفياتي، الذي سيطر على اليمن لجنوبي في مرحلة من المراحل وعلى اثيوبيا أيضا، تعطي فكرة عن المصير المحتوم لمشاريع شبيهة بالمشروع التوسّعي الايراني.ميدل ايست أونلاين