الإعلام العربي.. ظهور الوهمي وسقوط الموثوق به
أبريل 06, 2018
عدد المشاهدات 4116
عدد التعليقات 0
سالمة الموشي
كان الإعلام الخليجي إلى وقت قريب يعمل من أجل تعزيز ظهوره وتوسعه، إلا أنه أصبح يدرك اليوم ضرورة تغيير بوصلته الإعلامية، لأن التحديات باتت قائمة وحتمية ولهذا يمر الإعلام الخليجي بمرحلة تغيرات فارقة، على خلاف الإعلام الغربي الذي نضجت تجربته إعلاميا.
مؤخرا وتحديدا في السنوات التي تلت الثورات العربية بات الإعلام الخليجي متحفزا ومتوثبا ومنشغلا بعمق بالمحتوى الإعلامي الذي يشكل الرأي العام، وبمحاولة التعامل معه على اعتبار أن خيارات الإنسان العربي أصبحت متعددة لوجود منصات إعلامية متاحة ومتوفرة غير تلك الموجهة من قبل الحكومات.
قضية “بروز الوهمي وسقوط الموثوق” كانت أحد المحاور التي طرحت في المنتدى الإعلامي الذي عقد في دبي هذا الأسبوع، وكان المنتدى قد أبرز من خلال محاوره العديدة علاقة الإعلام بالمتغيرات المحيطة تأثيرا وتأثرا، وهدفه تعزيز قيمة التأثير الإيجابي للإعلام ومسؤوليته في التأثير على الأحداث وصناعة رأي عام واع والتغلب على المعوقات التي تواجه الإعلام العربي والإنسان العربي.
ويأتي التساؤل الأبرز هنا؛ هل الأزمات العربية المتتالية قوضت مصداقية الإعلام وأدت فعليا إلى بروز الوهمي وسقوط الموثوق به؟ وكيف يتم خلق الوعي السياسي والاجتماعي الأمثل. وهل أحدث الإعلام العربي نقلة في الوعي السياسي لدى الإنسان العربي؟
من خلال الوضع القائم يمكن القول إن هناك وثبة مهمة تتجه إلى صنع وعي سياسي مختلف، والأرجح أن وسائل الإعلام العربية المدعومة حكوميا أو الخاصة لم تقدم الكثير لإنسان الشارع بخصوص وعيه السياسي، الأمر الذي يمكن تأكيده من خلال توجهه لمنافذ إعلام بديلة بعد أن اقتصر دور الإعلام الرسمي على ربط الأحداث من خلال انتماءاته الفكرية والسياسية مما أفقد الحقائق الكثير من مصداقيتها.
نستخلص من كل هذا أهمية الرسالة التي يحملها الإعلام وقوته في تشكيل الصورة النمطية والذهنية للمتلقي، والتساؤل عما إذا كانت ظاهرة المنتديات والملتقيات الإعلامية أيضا تجاوزت مرحلة الكرنفالية إلى مرحلة التغيير العملي لحركة التاريخ الإعلامي الذي يحرر الناس من كل الصور النمطية التي تصنع له وتحركه.
تلعب الصور النمطية دورا مهما في المجتمعات اليوم، حيث يعتبر الصحافي الأميركي والتر ليبمان أول من استخدم هذا المصطلح بوصفه مفهوما يراد به القول إن الشعور الوحيد الذي يحمله أي شخص حول حدث لم يجربه هو شعور نابع من تصوره الذهني للحدث، وأن هذا التصور لا يعتمد على معرفة معيّنة أو مباشرة بل على صورة صنعها أو تسربت له. وهنا يأتي هاجس السؤال الذي يبدو من الأهمية الكبيرة لطرحة حول نوعية الصورة التي تسربت للإنسان العربي، وصنعت شعوره ومن ثم مواقفه.
واجه الإعلام العربي أكبر تحدياته في هذا الجانب خلال غزو العراق في العام 1990 حيث شرعت قنوات فضائية متعددة في الظهور، ومن ثم توجهت إلى خلق الصور النمطية للحدث وللأشخاص والتركيز التام على الحوادث المأساوية والسيئة ووضعها في مستهل نشراتها وعلى صدر صفحاتها، عملا بالمبدأ الإعلامي السائد “الأخبار السيئة هي الأخبار الجيدة”. وعلى الجانب الآخر قام الإعلام الغربي بما هو أسوأ في تصوير العالم العربي، والإسلامي عموما، من خلال الصور النمطية السلبية، فكان خداع الصحافة الحرة أسوأ ما شهدته الولايات المتحدة منذ بدء الحرب على العراق. حدث هذا عبر أهم منافذها الإعلامية مثال على هذا محطة فوكس نيوز المملوكة لملياردير الإعلام روبرت ميردوخ المعروفة بتوجهاتها اليمينية.
تتشكل الصورة النمطية في أنساق عديدة، فمنها ما يرتبط بالمعتقد الديني أو السلوك الاجتماعي لمجموعة من البشر وهو ما استخدم لخلق حقائق مزيفة لخدمة الأحداث. وتوظيف صور ذهنية محددة ليس بالأمر الجديد، فهي سياسة إعلامية توجد في كل مكان من العالم، ورغم انفتاح العالم على بعضه وتوفر فرص العلاقات التبادلية بين الشعوب إلا أنه بات من الواضح صعوبة تحرير العالم من الصور النمطية التي صُنعت له.
قبل أكثر من قرنين من الزمن، قال الرئيس الأميركي توماس جيفرسون “لو تُرك الأمر لي للاختيار ما بين حكومة بلا صحافة أو صحافة بلا حكومة لاخترت الثانية بلا تردد”، وعندما تعرض الرجل لهجوم عنيف في سنة حكمه السابعة شن هجوما على الصحافة في العام 1807 إلا أنه ظل متمسكا برأيه الأول، بل أضاف بأن اعتبر أن الصحافة هي الشر الذي لا يمكن إصلاحه.
إن الإعلام العربي الموجه اليوم من أقوى المؤثرات في تشكيل الرأي العام وتحريك السياسات، وهو يواجه أكبر التحديات القائمة بين الإعلام التقليدي والرقمي وضرورة الانتقال إلى مرحلة المحتوى النوعي لمواجهة مرحلة “ظهور الوهمي وسقوط الموثوق”، ومواجهة منصات إعلام مثل فيسبوك وتويتر وغوغل ومنصات أخرى متعددة، حيث تمارس هذه المنصات الإعلامية التضليل وتشكيل صور ذهنية مشوّشة ومربكة. كما أن حاجة الشعوب العربية إلى الحقائق وتعطشها للمعلومة أصبحت دافعا قويا للقول إن الإعلام هو الشر الذي يمكن إصلاحه.
كاتبة سعودية