المرأة التي لعبت بالقلوب
نوفمبر 29, 2018
عدد المشاهدات 3649
عدد التعليقات 0
مشعل السديري
مي زيادة، أديبة لبنانية انتقلت مع أسرتها للإقامة في القاهرة عام 1907، والتحقت بكلية الآداب، وأتقنت عدّة لغات، وعملت بتدريس الفرنسية والإنجليزية، وعكفت في الوقت نفسه على إتقان اللغة العربية ودراسة الفلسفة والتاريخ الإسلامي، وصدرت لها عدّة مؤلفات، وعاشت فترة متنقلة بين لندن وباريس وروما، بل أدخلوها مستشفى الأمراض العقلية بلبنان لمدة تسعة أشهر.
ولكنها عادت واستقرت بمصر، وأهم ما في حياتها أنها فتحت صالون بيتها كل يوم ثلاثاء يحضره بالعشرات كل أقطاب مصر المشاهير من سياسيين إلى أدباء إلى شعراء، بل وإلى رجال دين.
والعجيب في الأمر أن تلك المرأة كانت لها جاذبية ساحرة على كل من تردد على صالونها، فكلهم تقريباً عشقوها، وصرحوا بذلك إما بالكلام أو الكتابة أو الشعر، إنهم مثلما قال أحدهم:
مثل الكواكب التي تدور حول الشمس، من اقترب منها احترق حباً، ومن ابتعد عنها تاه في الفضاء البعيد فراقاً وهجراً.
وعلى سبيل المثال، ها هو أحمد حسن الزيات يقول عنها: إنها تختصر للجليس سعادة العمر كله في لفتة أو لمحة أو ابتسامة، ووصفها القاضي عبد العزيز فهمي قائلاً: النظر هنا خير من الكلام والإصغاء، حتى وقار شيخ الأزهر مصطفى عبد الرازق لم يكن حصناً آمناً له من جاذبية مي، فأخذ يحبها بصمت وحياء، حتى عميد الأدب الكفيف طه حسين، كان لا يفوت عليه يوم الثلاثاء حتى يكون أول الحاضرين وآخر المغادرين.
وها هو أمير الشعراء أحمد شوقي يقول فيها:
أسائل خاطري عما سباني أحُسن الخلق أم حُسن البيان؟
رأيت تنافس الحسنين فيها كأنهما لمية عاشقان
إذا نطقت صبا عقلي إليها وإن بسمت إليها صبا جناني
وما أدري أتبسم عن حنين إليّ بقلبها أم عن حنان
وإن شبابها راث لشيبي وما أوهى زماني من كياني
ورغم هذا التهافت لم تبادل أياً من هؤلاء وغيرهم أي عاطفة، والوحيد الذي هي عشقته وهو كذلك عشقها هو: جبران خليل جبران، رغم أنه في أميركا وهي في مصر، ولم ترهُ في حياتها ولم يرها، وكانت بينهما المراسلات، وحاولت دعوته إلى مصر قائلة: تعالَ فالحياة قصيرة، وسهرة على النيل توازي عمراً حافلاً بالمجد والثروة والحب. وقالت هي عن نفسها: أنا امرأة قضيت حياتي بين قلمي وأدواتي وكتبي ودراساتي، وقد انصرفت بكل تفكيري إلى المثل الأعلى، وهذه الحياة (الآيدياليزم) أي المثالية التي حييتها جعلتني أجهل ما في هذا البشر من دسائس.الشرق الاوسط
وصعق العقاد عندما عرف بموتها فقال وهو يبكي: كل هذا في التراب؟!، آهٍ من هذا التراب.