فرنسا الصاعدة من جديد تقلق إيران
أبريل 18, 2018
عدد المشاهدات 6973
عدد التعليقات 0
محمد عباس ناجي
تسعى فرنسا إلى توسيع نطاق دورها كدولة قائدة على المستوى الأوروبي وقوة دولية معنية بأزمات الشرق الأوسط، وهو ما تعكسه الجهود التي تبذلها لتقليص الخلافات بين الدول الأوروبية حول بعض القضايا المحورية على غرار العقوبات المحتملة على إيران.
يتوازى ذلك مع محاولاتها ملء الفراغ الذي سينتج عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وحرص ألمانيا على وضع سقف لانخراطها في الأزمات الدولية والإقليمية، بشكل بدا واضحا في عدم مشاركتها في الضربة الغربية الثلاثية على مواقع الأسلحة الكيميائية التابعة للنظام السوري في 14 أبريل الجاري رغم تأييدها لها.
من هنا، بدأت باريس في الاستعداد مبكرا لانتخابات البرلمان الأوروبي التي سوف تجري في الفترة من 23 إلى 26 مايو 2019، حيث تسعى من خلالها إلى تعزيز قدرتها على تحقيق طموحاتها، من خلال الترويج لمشروع “أوروبا الموحدة”.
تتابع إيران عن كثب تحركات فرنسا على الساحتين الدولية والإقليمية. ويقلقها توسيع دور باريس داخل الاتحاد الأوروبي، فذلك يمكن أن يفرض تداعيات غير مباشرة لن تكون في صالحها.
باتت فرنسا إحدى أبرز القوى الدولية التي تسعى إلى الاقتراب من المواقف التي تتبناها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تجاه إيران، خاصة فيما يتعلق بالاتفاق النووي وبرنامج الصواريخ الباليستية والدور الإقليمي، على نحو انعكس في مؤشرات مختلفة.
وتتمثل أبرز تلك المؤشرات في مشاركة فرنسا في الضربة الغربية الأخيرة ضد النظام السوري، إلى جانب دعمها لمشروع القرار الذي قدمته بريطانيا إلى مجلس الأمن في 18 فبراير الماضي وكان يسعى لإدانة إيران بسبب تقاعسها عن وقف تهريب الأسلحة والصواريخ إلى الحوثيين، قبل أن تجهضه روسيا بالفيتو، بشكل أدى إلى استصدار قرار آخر لا يشير إلى دور إيران التخريبي في اليمن.
كما أن باريس متحمسة في المرحلة الحالية لرفع سقف العقوبات الأوروبية المفروضة على إيران، بسبب تعنتها في معالجة الخلافات الخاصة بالملفات السابقة، حيث تروج إلى أن تلك العقوبات يمكن أن تساعد في مواصلة العمل بالاتفاق النووي، على أساس أنها قد تقنع الرئيس ترامب بعدم اتخاذ خطوة الانسحاب في 12 مايو القادم.
باريس متحمسة في المرحلة الحالية لرفع سقف العقوبات الأوروبية المفروضة على إيران، بسبب تعنتها في معالجة الخلافات الخاصة بالملفات السابقة
ويتوقع أن يكون هذا الملف تحديدا على قمة مباحثات ماكرون مع ترامب في زيارته المرتقبة لواشنطن، في 23 أبريل الجاري، حيث يسعى الأول إلى استصدار قرار أوروبي بالعقوبات قبل الزيارة من أجل تعزيز قدرته على إقناع ترامب بذلك.
فضلا عن ذلك باتت فرنسا إحدى القوى الدولية الداعمة للمعارضة الإيرانية في الخارج، حيث تستضيف اجتماعات ومؤتمرات لتلك الأطراف التي تنادي بإسقاط النظام الإيراني، على نحو يثير استياء حكام طهران باستمرار.
مع ذلك، لا تبدو طهران متعجلة في الحكم على تحركات باريس، حيث تفضل الانتظار إلى حين تبلور ملامح الاستحقاقات الاستراتيجية الجديدة التي ستطرأ على الساحتين الدولية والإقليمية، خاصة فيما يتعلق بالقرار الذي ستتخذه الإدارة الأميركية إزاء الاتفاق النووي في مايو القادم، والمسارات المحتملة للصراع السوري بعد الضربة الغربية.
هذا إلى جانب أن الأولى مطمئنة إلى أن ثمة عقبات قد تحول دون تحقيق أهداف باريس. فقد واجهت الجهود التي تبذلها باريس من أجل استصدار قرارات بعقوبات أوروبية على إيران معارضة من جانب بعض الدول مثل إيطاليا والنمسا واليونان.
وفشل الاتحاد الأوروبي في إقرار العقوبات الجديدة خلال اجتماع وزراء خارجية الاتحاد في لوكسمبورغ في 16 أبريل الحالي، الذي انتهى دون الوصول إلى توافق حول هذا الملف. ويعود ذلك في الأساس إلى المصالح الاقتصادية لتلك الدول مع إيران، حيث أبرمت الأخيرة مع إيطاليا صفقات تتجاوز قيمتها نحو 18 مليار دولار خلال زيارة الرئيس حسن روحاني إلى روما في 26 يناير 2016، والتي أعقبت بأيام رفع العقوبات الدولية المفروضة على إيران بموجب الاتفاق النووي.
وتكمن المفارقة في أن باريس نفسها لها مصالح كبيرة مع إيران، على غرار الصفقات الضخمة التي وقعتها شركات مثل إيرباص وتوتال مع الأخيرة، بعد التوصل إلى الاتفاق النووي والزيارة التي قام بها روحاني للأولى في 27 يناير 2016.
هذا فضلا عن أن الاحتمال الوحيد الذي يمكن أن يحقق ذلك مستبعد، وهو ممارسة الدول الأوروبية، وخاصة فرنسا، ضغوطا على إيران للقبول بإبرام اتفاق تكميلي يعالج الثغرات التقنية والقانونية التي يتضمنها الاتفاق الحالي. فإيران لن تقبل بهذه المبادرة، خاصة أنها ما زالت حريصة على إلقاء الكرة في الملعب الأميركي، مستندة في هذا السياق إلى تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي تشير إلى التزامها ببنود الاتفاق.
وتراهن الأطراف المعارضة لوقف العمل بالاتفاق النووي على المسؤولية الدولية التي ستتحملها واشنطن في حالة انسحابها منه، وهو ما سيضعها في صورة الطرف غير الملتزم بتعهداته الدولية، وسيدفع طهران إلى إعادة تنشيط برنامجها النووي مرة أخرى، وسيخصم من قدرة واشنطن على تسوية الملفات الأخرى التي لا تقل أهمية مثل تفكيك البرنامج النووي لكوريا الشمالية.
وفي كل الأحوال، لم تعد الزيارة المحتملة التي أعلن أن الرئيس ماكرون ربما يقوم بها إلى طهران في العام الحالي محل ترحيب من جانب الأخيرة، التي لم تعد تراهن بشكل كبير على علاقاتها مع باريس، وأوروبا بصفة عامة، في مواجهة ضغوط واشنطن.
رئيس تحرير دورية مختارات إيرانية