النساء وكأس العالم.. هل من موطئ قدم؟
يوليو 22, 2018
عدد المشاهدات 4237
عدد التعليقات 0
ريم الاصيل
شيء جديد أن “كأس العالم”، هذا الحدث الكروي بات يلاقي رواجا في صفوف النساء من شتّى الأشكال والألوان، هناك متابعات للكأس من جميع الشرائح العمرية، ومن مختلف المستويات التعليمية، والخلفيات الثقافية، والاجتماعية، والاقتصادية، والدينية أو اللادينية.. أي ليس هناك عامل محدد على ما يبدو يمكن على أساسه فرز المهتمات/ المتابعات لهذا الحدث عن غير المتابعات.
ومن نافلة القول بأن هذا حق طبيعي للنساء وليس لأحد أن يمنعه عنهنّ، ورغم أن لا أحد عمليا يمنع عنهنّ هذا الحق، وبالرغم من عدم وجود عامل محدد لمتابعة النساء كما أسلفت، إلا أنني لاحظت من خلال متابعاتي أن هناك ظهورا واضحا ومتكررا لثلاثة أنماط بارزة emerging themes في ما يتعلق بتواجد الإناث في صفوف الجماهير.
يجب أن أنوّه قبل أن أبدأ بتفصيل هذه الأنماط أنها ليست حصرية بأي شكل من الأشكال، لكنها فقط الأكثر شيوعا بناء على مشاهداتي الشخصية، وهذا يعني بطبيعة الحال وجود بعض الإناث في صفوف المتابعين ممن لا ينتمين لأي من هذه الأنماط، كما يعني أن هذه المشاهدات تعكس رؤيتي الشخصية.
أنثى تدور في فلك الذكور
هذه الأنثى هي من تتابع اللعبة إمّا لتنتزع إعجاب الذكور وإمّا لتغيظ الذكور وتسجل هدفا في مرماهم، فهي في الحالة الأولى تشجع الفريق الذي يشجعه ذكر ترغب بانتزاع إعجابه أو الحصول على رضاه، سواء كان هذا الذكر أبا أو أخا أو حبيبا أو ابنا أو صديقا أو مديرا في العمل، ونراها تبالغ في تشجيع هذا الفريق، وبالتالي قد تكون قفزتها أعلى من قفزة ذاك الذكر في حال إحراز الفريق لأي هدف أو قد يكون صراخها وبكاؤها أعلى من صراخ ذات الذكر في حال خسارة الفريق.
أما في الحالة الثانية من إناث النمط الأول، أي المتابعات اللائي يهدفن إلى إغاظة ذكرٍ ما، فإنهن لا يفترقن كثيرا عن إناث الحالة الأولى إلا بأنهن يشجعن فريق الخصم للفريق الذي يشجعه الذكر. وتبقى مظاهر التطرف بالتشجيع ذاتها.
من الجدير بالذكر أنه في الكثير من الحالات لا تصرّح النساء بدوافعهنّ أو بانتمائهن للنمط الأول، لكنّي مررت بحالات حيث كان التصريح علنيا وبفخر من نوع منشورات فيسبوكية على شاكلة “حبيبي ما بيفوز غير فريقنا.. وياااااااي فزنا اليوم حبيبي، نحن لا نهزم”.. ونلاحظ “نا” الجماعة التي توصل الأنثى هنا لحبيبها من خلالها فكرة أنني أنا وأنت واحد، أو من شاكلة “والله لحتى نحنا نفوز ونحرقلكون قلبكون، يااااااي أصلا ما بيطلعلكون معنا”، وهنا يكون مفهوم “نحن وأنتم” واضحا وبارزا بما لا يدع مجالا للشك حول تنافسية مع هذا الذكر لا تقف عند حدود المباراة.العرب
خلافا لنساء النمط الأول بحالتيهما، الأنثى هنا تتابع اللعبة وتشجع من تختار لأنها تريد أن تفعل ذلك ولأنها تجد متعة فيه، وهي تحسن صنعا لأنها تعرف ما تريد وما تحب ولا تتحرج من التعبير عن رأيها حتى ولو خالف رأي كل الجالسين معها في المقهى أو المتحلقين معها حول تلفاز يعرض مباراة حامية في غرفة جلوس أحد الأصدقاء.
لكنّ المشكلة التي تواجهها هنا هي أنهم يتوقعون منها أن تكون ذكورية في تشجيعها وفي تعاطيها مع اللعبة ككل حتى يفسحوا لها مكانا إلى جانبهم لا يضعها في خانة نساء النمط الأول أو النمط الثالث الذي سآتي على شرحه لاحقا، وهي الطريقة الوحيدة بالنسبة لها حتى تتمكن من إثبات وجودها بعيدا عن نساء الأنماط الأخرى.
مشكلتها الحقيقية هي أنها سرعان ما تتأقلم مع المطلوب منها وتبدأ بلعب الدور المنوط بها طواعية وبكل حرفية، فتبدأ بتبني أساليب ذكورية في الحديث عن المباراة وفي النكات التي ستستخدمها لاحقا لإغاظة منافسيها من المشجعين والمشجعات لفرق الخصوم، وغالبا ما تتضمن هذه الأساليب لغة خشنة فوقية عنصرية في الكثير من الأحيان، وقد تلجأ حتى إلى استخدام مسبّات ذكورية تسخر من جنسها وتهينه وتعيّره في معرض تعبيرها مثلا عن غضبها من تصرف حكم لم يعجبها أثناء لعبة ما.
الإناث في هذا النمط يتقمصن الدور بحذافيره فيظهر جليا بلغة الجسد لديهنّ، فطريقة جلوسهنّ تغدو ذكورية والتعبير عن فرحهنّ أو غضبهنّ أيضا يتخذ أشكالا ذكورية، حتى أن أسلوب لباسهنّ يصبح صبيانيا، من تي شيرتات الصبيان إلى قبعات رؤوسهم إلى أحذيتهم وحتى إكسسواراتهم، وهكذا يصبحن متّهمات من الجميع بالصبينة والاسترجال.
تدور أنثى هذا النمط في حلقة مفرغة، فكلما أرادت أن تنتمي إلى تلك اللعبة بحرية أكثر بعيدا عن وسمها بأحد الأنماط الأخرى، بالغت في إظهار إمكانية تبنيها لأنماط تشجيعية ذكورية، لكنها كلما أظهرت استعدادها هذا أكثر كلما اتُهمت بالاسترجال بشكل متزايد وكلما صار المتوقع البديهي منها أن تغدو “مشجعا ذكرا” بجسد امرأة، مما يقدم حلا سهلا أحادي القطب لجميع الأطراف من ذكور وإناث للتعاطي مع تشجيع كرة القدم بطريقة لا تتحدى الأذهان الميّالة دوما إلى مفهوم أحادية الهوية الذي يسهل للعقل البشري التعامل معه دون الكثير من التفكير، وهكذا تبقى كرة القدم اختراعا ذكوريا بامتياز دون أي منافسة جنسية أو جندرية أخرى، لا في الملاعب ولا حتى على الصعيد المجتمعي أو النفسي.
أنثى واقعة في شَرَك التشييء
ربما تكون نساء هذا النمط هنّ الصورة الأكثر شيوعا لـ”المشجعات”. هنّ إناث جميلات مغريات يرقصن ويغنين ويهتفن بغنج ودلال للفريق المحظوظ بوجودهنّ في صفوف مشجعيه.
وكما أن الصورة النمطية للذكر الأقوى تستوجب وجود المرأة الأجمل والأكثر إغراء ضمن ممتلكاته والتي ستبدو في عيون المراقبين وكأنها مكافأة القدر والمجتمع له على ذكوريته الفائقة، بالتالي فهي حتما ستكون يافعة الشباب فائقة الأنوثة، وكذلك الأمر في ما يتعلق بفريق الكرة الأقوى والأكثر هيبة وسيطرة على الملاعب والجماهير، ستكون لديه الإناث الأكثر شبابا والأكثر إغراء وغنجا بين صفوف مشجعيه، وسيصبح التنافس بين الفرق بحجم صدور مشجعاتها وطول أفخاذهن وثخن شفاههن.
مشكلة تشييء المرأة ليست حكرا على مجال كرة القدم، لكنها تظهر بقوة كمثال نمطي واضح جدا، هنا تنطبق عليه العلامات الأربع الدامغة لهذه النزعة (تشييء المرأة) بكل وضوح:
1- النساء هنّ من ممتلكات الرجل.
2– يجب على الرجال أن يتنافسوا على النساء.
3– النساء عبارة عن مكافأة للرجل الأكثر قدرة.
4– الحدود الجندرية الفاصلة بين الرجال والنساء تكون صارمة جدا.
لا تقف مشكلة النمط الثالث على التشجيع الاحترافي ولكنها تمتد ليكون بإمكان أي متابع عادي أن يساهم في الظاهرة، فيتبارى الرجال والنساء جميعا في تداول النكات أو الصور أو التعليقات التشييئية المتعلقة بمشجعات فرقهم أو فرق خصومهم.
وتمتد الظاهرة لتشمل متابعات عاديات ولسن ضمن فرق المشجعات المحترفات، لكنهنّ مع ذلك يحذون حذوهنّ في لباسهنّ وحركاتهنّ، وخلافا لإناث النمط الثاني المتبنيات لأساليب ذكورية في اللباس واللغة ولغة الجسد أثناء متابعتهن لكأس العالم، تتبنى إناث النمط الثالث أساليب أنثوية مبالغا بأنوثتها في اللباس واللغة المستخدمة ولغة الجسد في التعبير عن الفرح أو الغضب أثناء التشجيع والمتابعة بطريقة تحفظ للعبة ذكوريتها.
وهكذا، يستمر الجميع في تقوية ذكورية اللعبة وتشجيعها بنظام تغذية راجعة سلبية (أستعير هنا هذا التعبير البيولوجي)، المهم، ما يحدث هنا هو فعلا أشبه ما يكون بنظام تغذية راجعة سلبية، فكلما انخفضت مستويات الأنوثة في اللعبة كلما زادت الجموع المتابعة لها من ضخ كميات زائدة من الذكورة فيها والتي بدورها تمنع ظهور أي علامات أنثوية، ويدور الجميع هكذا في حلقة مفرغة.
لذلك، على الأنثى التي تحب كرة القدم وتحب متابعتها، أن تفعل ما يحلو لها، وتشجع من تحب وتنافس من تحب طالما أنّ هذا ما ترغب فيه، وهذا ما يجعلها سعيدة، لكن عليها أن تبدأ بخلق موقع قدم أنثوي لها في هذه اللعبة دون أن يتم جرّها إلى أحد الأنماط الثلاثة السابقة.
أكاديمية سورية