قراءة تحليلية أسلوبية في قصيدة : قسوة الحياة – بقلم : الشاعرة شنيا عبدالمجيد/ كردستان .
![](https://i0.wp.com/www.adenobserver.com/wp-content/uploads/2025/02/شنيا-عبدالمجيد.jpg?resize=780%2C470&ssl=1)
بقلم : كريم عبدالله – العراق .
قصيدة /قسوة الحياة/ للشاعرة شنيا عبدالمجيد هي رحلة داخل أعماق الذات الإنسانية، التي تعاني من ألم الحياة وقسوتها. الشاعرة في هذه القصيدة لا تقدم مجرد سردٍ لمشاعر الحزن، بل تسلّط الضوء على التناقضات الداخلية التي يعيشها الإنسان في لحظات الشكوى والتأمل في معاناته.
من أول وهلة، تثير القصيدة سؤالاً كبيرًا عن الحياة نفسها. الشاعرة تبدأ بالتعبير عن تأثير الحياة عليها، في صورة جمل بسيطة لكنها عميقة في دلالاتها:
/شوهتني الحياة كثيراً.. / أكاد أضيع!/
هذه الجملة تعكس شعورًا بالضياع العميق، الذي يتعدى مجرد فقدان الاتجاه المكاني. الضياع هنا يعبر عن تشتت الهوية وافتقاد الذات في محيطٍ مليء بالشدائد. إن الشاعرة لا تشير إلى الجرح الجسدي فقط، بل تتحدث عن الضرر الذي لحق بها على مستوى الروح، والكيان الداخلي، الذي أصبح مهددًا بالتفتت.
اللغة الرمزية والتشبيه المتقن
من أبرز سمات القصيدة هو استخدام الشاعرة للرمزية، التي تُقدّم رؤية معقدة عن قسوة الحياة وتكرار المعاناة. في سطور مثل /الحياة مثل صخرة سيزيف، / ملتصقة بظهري/
تنقل الشاعرة إلى القارئ صورة مأساوية مأخوذة من أسطورة سيزيف اليونانية. سيزيف، الذي كان يُجبر على دفع صخرة ضخمة إلى قمة جبل، ليشاهدها تسقط كلما اقترب من القمة، هو رمز للعبث واللامعنى في محاولات الإنسان المستمرة للفرار من قدره أو إيجاد السكينة. الشاعرة، من خلال هذا التشبيه، تطرح فكرة المجهود الذي لا جدوى منه، وأنه في كل مرة يقترب الإنسان من الوصول إلى هدفه أو راحته، يجد نفسه عائدًا من حيث بدأ. تتكرر هذه الصورة في جملة
/كلما أخطو أعود للوراء/
لتؤكد شعور الشاعرة بأن محاولات التغيير والتقدم في الحياة تواجهها مقاومة غير مرئية، وتصبح خطوة إلى الأمام وكأنها رحلة بلا نهاية.
الطبيعة كمرآة للحالة النفسية
عندما تصف الشاعرة
/خوخ حديقتنا، لم يعد له طعم كما كان/
فإنها تعكس بمهارة تحوّل الداخل إلى الخارج. الطبيعة هنا لا تمثل مجرد خلفية للألم، بل هي جزء من هذا الألم ذاته. الفقدان الذي تشعر به الشاعرة لا يقتصر على البشر أو العلاقات الشخصية، بل يمتد ليشمل الأشياء والأماكن التي كانت تحمل معها معنى وجمالًا. الخوخ، الذي كان في الماضي رمزًا لبهجة بسيطة وسعادة عابرة، أصبح الآن بلا طعم، تمامًا مثل الحياة التي أصبحت باهتة وغير قابلة للاستمتاع. هذه الصورة هي واحدة من أقوى الصور في القصيدة، فهي تكشف عن استحالة إيجاد اللذة في الأشياء بعد أن فقدت الحياة معناها.
التوسل والانكسار في الدعاء
يستمر التوتر بين الألم والأمل في القصيدة عبر نداء الشاعرة لشخص آخر، الذي يبدو أنه يحمل مفتاح خلاصها أو نجاة قلبها. /خذ بيدي.. / ولا تدع الحياة تفعل بي ذلك/
هو نداء يحمل في طياته استغاثة، ويعكس الحالة التي تضع فيها الشاعرة نفسها أمام حالة من العجز التام. إن هذا النداء ليس فقط للشخص الآخر، بل هو أيضًا توسل للقدر، محاولة للبحث عن يد تمتد وسط الظلام، لتعيد التوازن، ولتوقف صراع الحياة المستمر. إن التضرع الذي تحمله هذه الكلمات يتجاوز حدود الحب الشخصي ليشمل السعي الحثيث للهروب من التدمير الداخلي. كما أن الشاعرة في هذه اللحظة تتنازل عن كامل استقلالها، مطالبة بمعونة أخرى تمنحها القوة لاستعادة توازنها.
الختام وتأملات في النطق والصمت
/فبدونك يفقد النطق لساني/
هذه الجملة الختامية تختزل المدى الذي وصل إليه الصراع الداخلي. الشاعرة تُظهر في هذه العبارة نوعًا من العجز الشامل، إذ يفقد الإنسان قدرته على التعبير عن نفسه بشكل كامل إذا غابت عن حياته تلك اليد التي كانت تسانده. النطق هنا ليس مجرد الكلام، بل هو تعبير عن الهوية والوجود. الصمت، إذن، هو فقدان القدرة على التفاعل مع الحياة كما كانت من قبل. إن الشاعرة لا تشير فقط إلى غياب الشخص الآخر، بل أيضًا إلى غياب المعنى في حياتها، إلى درجة أن الكلمات نفسها تفقد قوتها وتصبح عاجزة عن نقل ما في داخلها.
الخاتمة
هذه القصيدة هي نصٌ عميق يتناول مشاعر الفقد والضياع، ويستعرض بشفافية وصدق الحالة الإنسانية التي تلامس قسوة الحياة وضغطها. من خلال الصور الرمزية واللغة المعبرة، تنقل الشاعرة في قصيدتها إحساسًا عميقًا بالتشتت الداخلي والتعب النفسي، وتطرح تساؤلاتٍ حول معنى الوجود والتقدم في الحياة. القصيدة لا تقدم حلولًا أو إجابات، لكنها تفتح المجال للتأمل في الألم البشري، والبحث المستمر عن الخلاص، سواء في الآخر أو في الذات. إن قوة القصيدة تكمن في قدرتها على تفعيل هذا الألم وجعله يتردد في أذهاننا، ليظل حيًا في ذاكرتنا حتى بعد أن ينقضي النص.
قسوة الحياة – بقلم : الشاعرة شنيا عبدالمجيد/ كردستان .
ترجمة الاستاذ : علي عزيز – كردستان .
شوهتني الحياة كثيراً..
أكاد أضيع!
لساني لم یعد یغني كعادته
أصابعي لا تفوح منها رائحة الشعر
الحياة مثل صخرة “سيزیف” ،
ملتصقة بظهري
كلما اخطو اعود للوراء
عيناي بنسمة تمتلىء بالدموع
خوخ حديقتنا، لم یعد له طعم كما كان
كل شيء عكس ماكان عليه
مع كل هذا الألم والتحطم خذ بيدي..
ولا تدع الحياة تفعل بي ذلك
حتى تستقيم خطواتي المتعرجة
فبدونك يفقد النطق لساني.