مقالات

أشجار الألم وطقوس الخيانة: قراءة في مرثية الأرض والإنسان

قراءة نقدية في الطابع الرمزي والوجودي – للشاعرة : رحمة عناب – فلسطين المحتلة .

أشجار الألم وطقوس الخيانة: قراءة في مرثية الأرض والإنسان

قراءة نقدية في الطابع الرمزي والوجودي – للشاعرة : رحمة عناب – فلسطين المحتلة .

بقلم : كريم عبدالله – العراق .

مقدمة :

العنوان يعكس الطابع الرمزي والوجودي للنص، الذي يتناول مواضيع الموت، الخيانة، والحرب، إضافة إلى الألم المتجسد في معاناة الشعب الفلسطيني. كما يعكس التوتر بين الأمل والحزن، ويشير إلى التفاعل العميق بين الأرض والإنسان في سياق مؤلم.

 

في هذا النص الشعري، الذي يتسم بالرمزية العالية واللغة المكثفة، تسلط الشاعرة رحمة عناب الضوء على معاناة الإنسان الفلسطيني الذي يواجه الخيانة والتضحية والفقد في سياق الاحتلال المستمر. النص يمتزج بين الحزن العميق والتمرد الفطري، ما يفتح المجال لتحليل عدد من الطبقات الدلالية والجمالية التي ترافقه. وعبر هذه القراءة، نُحاول الغوص في بنية النص، والرمزية التي يحتويها، والأبعاد الوجودية والسياسية التي تصيغها الشاعرة.

 

1. الرمزية وأبعادها المتعددة:

الرمزية في هذا النص تلعب دورًا أساسيًا في إظهار الواقع الفلسطيني من خلال تجسيد المعاناة والمقاومة بشكل غير مباشر، عبر صور شعرية غنية.

 

النعش والمهاجر: يبدأ النص بصورة قوية وهي / نعشي المهاجر في شحوب الصدى /. هنا يُستهل الحديث بتصوير شعري مكثف يشير إلى الموت والتشرد معًا. / نعش / يرمز إلى الفقد، لكنه في ذات الوقت يتنقل بين / المهاجر / الذي يمثل الجرح الفلسطيني العميق الممزق بين الأرض والشتات. وهذا التزاوج بين الموت والحياة يسائل الواقع الفلسطيني بين المصير القاتم والأمل في العودة.

 

الرجال على الأكتاف الظامئة: هذه الصورة تشير إلى الأبطال الذين يقاتلون ولكنهم مرهقون وجوعى، في إشارة إلى أن الجهاد لا يزال مستمرًا رغم تآكل القوى. / الظامئة / تدل على القسوة والجوع الروحي والجسدي في آن واحد، مما يعزز من صورة النضال المستمر رغم قلة الموارد.

 

الموت والخيانة: / جلالة أسماء الموت الحسنى / هي صورة تعبيرية عن القداسة التي قد يُنظر بها إلى موت المقاومة والشهادة. وفي المقابل، تعكس هذه العبارة / اسماء الموت الحسنى / جوًا من الغموض، إذ يتيح للشاعرة فرصة للتساؤل عن حقيقة الموت في سياق الاحتلال، هل هو شرف أم تدمير؟

 

الخيانة بروح الأخوة: / ما لك إلا تقبيل الخيانة بروح الأُخُوّة / هي إحدى الصور الأكثر إيلامًا في النص، حيث تقدم صورة عن الخيانة المدمرة، ولكنها تقترن بروح الأخوّة، وهو تناقض يجسد معاناة الفلسطينيين من الخيانة الداخلية، سواء من الأنظمة أو من داخل المجتمعات.

 

2. الأبعاد الوجودية في النص:

الوجودية، التي تنبع من حالة التشتت والضياع، تشكل طبقة هامة في النص، فهي تطرح أسئلة عن الذات والعالم والمصير، في ظل وجود يعاني من الخوف، الفقد، والتمزق.

 

سؤال المعنى: في النص، تتكرر الأسئلة التي تتعلق بكيفية جمع أشلاء الألم والدمار. مثلًا، / كيف أُلَمْلِمُ أَسى الثاكلات / و/ كيف أرمم عرائش الدمع بخندق الوجنات؟ /. هذه الأسئلة تحمل طابعًا وجوديًا عميقًا، كأن الشاعرة تسأل عن معنى الحياة في وقت لا تملك فيه سوى الألم والخيانة.

 

البحث عن الذات الممزقة: / أَمْعَنتْ بصاق الخديعة / هو تعبير يوضح تأثّر الذات الفلسطينية بالخيانة والخداع الذي تعرضت له، مما يجعل من الصعب إصلاح أو استعادة أي جزء من الهوية التي تمزقت. تبرز هنا مشكلة الفلسطيني الذي فقد نفسه في صراع مع الأعداء من جهة، ومع الخيانة من جهة أخرى.

 

صور الموت والدمار: الموت لا يقتصر على الشخص فقط في هذا السياق، بل يتسع ليشمل / الدمى / التي تصبح رمزًا للجثث التي تُلقى على الشواطئ أو في أي مكان تحت سيطرة القهر، / مُتْنا على مرافئي البلاد دُمىً /. هنا يقدّم الموت كحالة جماعية غير قابلة للتجاوز، مما يعكس انهيار الذات الوطنية والجغرافية.

 

3. التمرد على الخضوع والاحتلال:

النص لا يتوقف عند مجرد التعبير عن الألم، بل يعكس أيضًا قوة التمرد والصمود رغم الظروف القاسية. فمن خلال صور مثل / أسودًا في عرين الأرض / و/ تيمم جراحنا بشهادة النرجس /، يتجلى عنصر المقاومة بشكل واضح.

 

الأسود في عرين الأرض: الأسطورة المتعلقة بالأسود في الأدب العربي، تعبر عن القوة والبسالة. الشاعرة تضع نفسها هنا في موقع مقاوم، أسودًا ضاريًا في / عرين الأرض / التي لا تقتصر على كونه مكانًا للعيش، بل ميدانًا للصراع والوجود.

 

شهادة النرجس: النرجس هنا يتجاوز كونه زهرة رقيقة، ليصبح رمزًا للجمال الصامد رغم كل الظروف القاسية. إن استخدام النرجس في الختام هو تجسيد للأمل والحياة التي تنبت في قلب الجراح، ويستحضر صورة مقاومة غير مكشوفة ولكنها عميقة وراسخة في الأرض والذاكرة الفلسطينية.

 

4. البُعد السياسي في النص:

النص يتعامل مع السياسة بشكل غير مباشر، حيث يطرح قضية الاحتلال، الفساد السياسي، والتواطؤ الداخلي في قالب شعري. عبر صور مثل / فقد فسد البرتقال في ضريبة العروش المتهالكة / يُمكن رؤية نقد سياسي حاد. البرتقال الذي يعتبر رمزًا للهوية الفلسطينية، يصبح فاسدًا بسبب / العروش المتهالكة / التي تمثل الأنظمة السياسية التي تركت الأرض والشعب يعانون تحت وطأة الاحتلال.

 

هذه الصورة تحمل بُعدًا نقديًا على الواقع السياسي الذي أهدر حقوق الفلسطينيين وسمح للاحتلال أن ينقض على أراضيهم ومقدساتهم. تبرز المهانة التي يعاني منها الشعب الفلسطيني بسبب التخاذل الداخلي في محاربة الاحتلال أو في دعم قضيته.

 

5. الجمالية واللغة الشعرية:

اللغة الشعرية التي تعتمدها الشاعرة في النص هي لغة مكثفة ومليئة بالتوازي والتضاد، مما يعزز من قوة المعنى. الجمل تتنقل بين مفردات حادة مثل / الشظايا / و/ الخديعة / وبين صور شاعرية مثل / شقائق السماء / و/ شهادة النرجس /، مما يخلق توازنًا بين الألم والجمال، الفقد والأمل.

 

الاستعارات والتشبيهات تلعب دورًا أساسيًا في هذا النص، حيث تزدحم النصوص بتصويرات شعرية حية. الشاعرة توظف اللغة لتغرق القارئ في هذا الصراع الداخلي الذي لا يقتصر على الجغرافيا بل يمتد إلى القلب والروح.

 

6. الخاتمة:

في النهاية، تقدم الشاعرة رحمة عناب نصًا شعريًا يعبر عن أوجاع الشعب الفلسطيني، بلغة مليئة بالرمزية والمعاني العميقة التي تربط الألم بالجمال، الفقد بالأمل، والدمار بالحياة المستمرة. من خلال الأبعاد الوجودية والرمزية، يرسم النص صورة مؤلمة وواقعية عن معاناة الاحتلال، لكنه يبقى متشبثًا بالأمل والمقاومة التي لا تموت، مهما تزايدت الجراح.

النصّ :

هكذا يا نعشي المهاجر في شحوب الصدى

تحمل الرجال على الاكتاف الظامئة

في جلالة اسماء الموت الحسنى

فما صَرَخَ المدى لولا ضائعات الصمت

عنوةً يْبتُرُ جاري الرخيص روح العنادل نحو الضريح

وما لي فدية إلاّ دمي يعشق شقائق السماء

و ما لكَ إلاّ تقبيلَ الخيانة بروح الأُخُوّة

تقايض سكينة الأزقّة بدارجة مفخخة

تعمّرُ كسوركَ بالشظايا العانسات

كأنَّ شعلة الأذى لا تتسع الاّ لفوانيس إخوتي

و كأن ذواتنا أَمْعَنتْ بصاق الخديعة

فكيف أُلَمْلِمُ أَسى الثاكلات

كالوشم على أكفّ الوداع

كيف أرمم عرائش الدمع بخندق الوجنات

وقد عاثوا في خريطتنا المضاعة

و مُتْنا

على مرافئي البلاد دُمىً

و فسد البرتقال في ضريبة العروش المتهالكة

فما لنا سوى أسوداً

في عرين الارض

 ترتل غاباتنا المُثلى

و الهة

تعتمر  غيم العلى

 تيمم جراحنا

بشهادة النرجس.

بقلم : رحمة عناب– فلسطين المحتلة .

مواضيع مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى