قراءة صوفية لقصيدة الشاعرة : رحمة عناب – مَنْ يأخذني اليكَ ..؟؟
قراءة صوفية لقصيدة الشاعرة : رحمة عناب – مَنْ يأخذني اليكَ ..؟؟ ..
بقلم : كريم عبدالله .
قراءة صوفية لقصيدة الشاعرة : رحمة عناب – مَنْ يأخذني اليكَ ..؟؟ ..
بقلم : كريم عبدالله .
قصيدة “مَنْ يأخذني إليك” للشاعرة رحمة عناب تقدم رؤية صوفية عميقة ومؤثرة تعكس الوله الروحي والشوق إلى الاتصال بالمطلق أو بالمحبوب الإلهي. دعونا الان نستعرض النص من خلال عدسة صوفية:
سعي الشاعرة إلى المطلق: تبدأ القصيدة بتعبير عن شوق عميق، حيث تسأل الشاعرة: “مَنْ يأخذني إليك؟” وهذا السؤال يعبر عن الحاجة الملحة للاتصال بالمحبوب الإلهي. الصوفية تُبرز دائمًا فكرة السفر الروحي نحو الحق أو الله، وهذه اللحظة من الشوق تعد تعبيرًا عن السعي نحو الوصول إلى الكمال الإلهي.
ربيع أناملك الغرُّ: الشاعرة تصف أنامل المحبوب أو الإله بـ”ربيع” و”غرّ”، مما يوحي بالنقاء والخصب الروحي الذي يجذب الروح الباحثة عن الحقيقة. الربيع هنا رمز للحياة والنمو الروحي، بينما “الغُرّ” تعني النقاء والتفرد.
سراب اللقاءات: هذا الوصف يعكس التناقض بين الأمل والواقع. اللقاءات الدانية التي تتخيلها الشاعرة قد تكون في الأصل مجرد سراب، مما يشير إلى الصعوبة والتحديات التي تواجهها الروح في سعيها نحو الإله. هذه الفكرة تتوافق مع المفهوم الصوفي الذي يرى الحياة كرحلة نحو الإله مليئة بالاختبارات.
مشرداً وتصحّر واحاتي التائهة: تُعبر هذه العبارة عن حالة الفقدان والشتات الروحي. في التصوف، يُعتبر الفقدان جزءًا من الرحلة الروحية نحو الوصل إلى الحق. “تُصحّر واحاتي” تعني أن الروح تعاني من الجفاف والضياع، وهو شعور شائع لدى الصوفيين الذين يشعرون بالحاجة للعثور على الحقيقة في عالم مادي مليء بالتحديات.
مناراتكَ المتشامخة: تشير المنارات هنا إلى المعاني والرموز الروحية التي تسعى الروح للوصل إليها. تلك المنارات قد تكون رموزًا للمعرفة والحكمة الإلهية التي تساعد الروح في رحلتها.
حُلماً مبحوحَ الصدى: تعبير “مبحوح الصدى” يدل على حلم أو أمل غير مكتمل، مما يعكس صعوبة تحقيق هذا الأمل في الوقت الحالي. في التصوف، هذه الأحلام قد تكون بمثابة إشارات للروح في رحلتها.
مَنْ يأخذني إليك حين تبْلغُ الأشواقُ الحناجرَ: تزداد حدة الشوق إلى درجة تؤثر على وجود الشاعرة، حيث يصبح هذا الشوق ملموسًا وجليًّا.
فَمارد سليمان رحلَ: إشارة إلى أن الشخصيات التاريخية العظيمة مثل مارد سليمان قد تكون غير متاحة الآن، مما يبرز وحدة الشاعرة وحالة الانتظار التي تعيشها.
الانتظار مكسور الجناح: هنا، الانتظار يُصوَّر كما لو كان مخلوقًا مكسور الجناح، مما يعكس الألم والتعب الذي يشعر به الباحث في رحلة البحث عن الله.
أمل اخضرار ورقة العناق: النهاية تعبر عن الأمل المتجدد في التواصل الروحي، حيث تُجدد الشاعرة أملها في الوصول إلى الحالة المثلى من الاتصال بالمحبوب الإلهي.
دعونا الان نتناول القصيدة “مَنْ يأخذني إليك” للشاعرة رحمة عناب بقراءة أعمق، نستكشف من خلالها البُعد الروحي والفلسفي لكل سطر ونفكك الرموز والصور الشعرية التي قد تُعزز فهمنا لمغزى القصيدة:
1. من يأخذني إليك؟
القصيدة تبدأ بهذا السؤال الذي يعبر عن شعور عميق بالاحتياج والإلحاح، وهو استغاثة روحية تتجاوز المعنى الظاهر لتلمس عمق الحاجة إلى التواصل مع الوجود الإلهي. في التصوف، يُعتبر السؤال تعبيرًا عن اشتياق الروح إلى الوحدة مع الإله، وإلى الكشف عن الحقائق العليا التي تتجاوز الحواس والعقل.
2. ربيع أناملك الغرّ
استخدام “ربيع” هنا ليس فقط إشارة إلى التجدد والحياة، بل أيضاً إلى النقاء والبراءة الروحية. “أناملك الغرّ” تعني النقاء والتفرد في تجليات الإله، مما يعكس فكرة أن الإله هو مصدر الحياة والطهارة الروحية.
3. يثير سراب اللقاءات الدانية
السراب هنا يوحي بأن اللقاءات التي تتمنى الشاعرة تحقيقها قد تكون غير حقيقية أو بعيدة المنال. في التصوف، يُعتبر السراب رمزًا للأماني التي تبدو قابلة للتحقيق لكنها في الحقيقة ليست سوى خيالات. هذا يشير إلى الصراع الداخلي بين الرغبة في تحقيق الوحدة مع الإله والواقع الملموس الذي يظهر في صورة عوائق وصعوبات.
4. خلف أنفاس الشفق مشرداً
الشفق هو وقت الانتقال بين الليل والنهار، وفي هذا السياق، يمكن أن يمثل الفترة الانتقالية في رحلة الروح نحو الإله. مشاعر التشرد تعبر عن الضياع وعدم اليقين الذي يشعر به الباحث الروحي، مما يعكس المراحل المختلفة في سعيه لتحقيق الارتباط الكامل بالمحبوب.
5. تُصحّرُ واحاتي التائهة
هذه العبارة تعبر عن الجفاف الروحي والتجربة القاسية التي تمر بها الروح في مسيرتها. “تُصحّر” تشير إلى القحط وعدم الإشباع الروحي، بينما “واحاتي التائهة” تُظهر كيف يمكن للروح أن تشعر بالضياع في عالم مليء بالظواهر الباطلة والآمال البعيدة.
6. في مجون مناراتك المتشامخة
المنارات هنا قد ترمز إلى الهداية الروحية والمعاني الإلهية التي تنير الطريق. “المجُون” يمكن أن يكون إشارة إلى الثقة الزائدة أو التفاخر الظاهري، بينما “المنارات المتشامخة” تعبر عن صعوبة الوصول إلى هذه الهداية لأنها تبدو بعيدة وغير متاحة دائمًا.
7. تحتوي مرمراً مكنوناً
المرمر هنا هو حجر كريم يُستخدم كرمز للجمال والصفاء. “مكنوناً” تعني أن هناك شيئًا ثمينًا ومخبأً، وهو يُشير إلى معرفة إلهية عميقة وسرّية تتجاوز الإدراك الظاهر. في التصوف، هذا يمكن أن يعكس الحقيقة الباطنية التي يسعى العارفون للكشف عنها.
8. في خزائن أَهملَت بريق أيامه
الخزائن التي أهملت بريق أيامها تشير إلى أن الحقيقة الروحية أو المعرفة التي كانت حيوية أصبحت الآن مغمورة وغير ملحوظة. هذا يمكن أن يعكس التحديات التي تواجه الباحثين عن الحقيقة في عالم يعج بالانشغالات المادية والسطحية.
9. يُجرِّسُ نُبله حُلماً مبحوحَ الصدى
“يُجرِّسُ نُبله” تعني أن القيم النبيلة أو الطموحات الروحية يمكن أن تكون معرضة للتشويه أو التبديد. “حُلماً مبحوحَ الصدى” يدل على الأمل الذي تلاشى أو أُصيب بالخذلان، مما يعكس الصعوبة التي يواجهها الباحث في تحقيق أهدافه الروحية.
10. فيخضرّ يقين الوجود
هذه العبارة تشير إلى تجدد الأمل والإيمان في الحقيقة الروحية. “يخضرّ” يعكس النمو والانتعاش الروحي بعد فترة من الجفاف والتشكيك. يمكن تفسيرها كعودة الأمل بعد معاناة وتجربة صعبة.
11. حين تبْلغُ الأشواقُ الحناجرَ
عندما يتجاوز الشوق حدود التحمل ويتجلى بشكل ملموس وعميق، يُصبح الشوق قوياً لدرجة أنه يمكن الشعور به كشيء مادي، وهو تعبير عن الأقصى من حالة الوله والانتظار.
12. وتهتاج دوامة طوفان الذكرى
هذه الصورة تعبر عن الفوضى الداخلية والاضطراب الذي يسببه ذكرى الماضي، والذي يمكن أن يكون مصدرًا للألم والارتباك الروحي.
13. فَمارد سليمان رحلَ
مارد سليمان، الذي يُشير إلى قوة السيطرة والحكم، قد يكون رمزًا للمشاعر القوية التي غادرت أو لم تعد متاحة. هذا يعكس فقدان الأمل في مصادر القوة التي كانت تدعم الشاعرة في رحلتها.
14. وحطّ الانتظار مكسورَ الجناح
الانتظار هنا يعبر عن الترقب المتواصل والألم الناتج عن التوقعات غير المحققة. “مكسور الجناح” يرمز إلى الضعف والعجز في تحقيق الأمل، مما يعكس حالة من الإحباط وعدم القدرة على التحليق نحو الأمل الروحي.
15. على شواطئ خلجانك يواري سوأة وحدةٍ
الشواطئ والخليج يمكن أن يرمزا إلى الهدوء والعزلة. “سوأة وحدة” تعني العزلة العميقة والألم الناتج عن الشعور بالوحدة.
16. تُراقص عراجين الوجد حاملاً في طياته أمل اخضرار ورقة العناق
ختام القصيدة يعبر عن الأمل في تجدد الروح والاتصال بالمحبوب الإلهي. “عراجين الوجد” تشير إلى حالات الشوق والحب المتجددة، و”أمل اخضرار ورقة العناق” يعكس تجدد الأمل في الوصول إلى اتصال روحاني عميق بعد فترة من الألم والتجربة.
خلاصة:
القصيدة تعبر عن رحلة صوفية معقدة تتسم بالشوق العميق، والألم، والتجارب الروحية. تعكس مشاعر البحث عن الحقيقة والتواصل الروحي مع الإله، وتستكشف التحديات والصعوبات التي يواجهها الباحث في سعيه نحو الارتباط الكامل بالمحبوب الإلهي. تعبر الرموز والصور الشعرية عن التجارب الداخلية، والأمل المتجدد، والألم الناتج عن الانتظار.
مَنْ يأخذني اليكَ ..؟؟ .
ربيعُ أناملكَ الغرُّ
يُثيرُ سرابَ اللقاءات الدانيةِ
خلفَ أنفاسِ الشَّفق
مشرداً
تُصحّرُ واحاتي التائهة
في مجونِ مناراتكَ المتشامخة
تحتوي مرمراً مكنوناً
في خزائنٍ أَهملَت بريقَ أيامه
يُجرِّسُ نُبلَه
حُلماً مبحوحَ الصدى
فيخضرّ يقين الوجود
مَنْ يأخذني اليكَ
حين تبْلغُ الأشواقُ الحناجرَ
و تهتاجُ دوامةُ طوفان الذكرى .؟ .
فَمارد سليمان
رحلَ
و حطَّ الانتظارُ
مكسورَ الجناحِ
على شواطئِ خلجانكَ
يواري سوأةَ وحدةٍ
تُراقصُ عراجينَ الوَجد
حاملاً في طياتِه
أملَ اخضرارِ
ورقة العناق .